وصف سياسات الاحتلال مع الفلسطينيين بـ«الفصل العنصري»
 

بعد توجيه وزارة الخارجية الإسرائيلية توبيخاً للسفيرة الفرنسية في تل أبيب، هيلين لا غيل، أمس، أصدرت أوامرها بمقاطعة زيارة الدبلوماسي الفرنسي البارز جيرارد آرو إلى إسرائيل، بسبب تصريحات أدان فيها سياسة حكومة بنيامين نتنياهو تجاه الفلسطينيين، واعتبرها «سياسة فصل عنصري».

كانت نائب المدير العام لشؤون أوروبا في وزارة الخارجية الإسرائيلية، روديكا غوردون، قد استدعت أمس السفيرة لا غيل، ووجهت إلى حكومتها توبيخاً بسبب تصريحات السفير آرو. وردت السفيرة الفرنسية بأن آرو أدلى بتصريحاته بعدما ترك السلك الدبلوماسي، ولذلك لا يصح اعتبارها رسمية، وأنه «لم يقصد بهذه التصريحات أن إسرائيل دولة فصل عنصري، بل إن السياسة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية تعتبر سياسة فصل عنصري».

لكن هذا التفسير لم يقبل في تل أبيب، فقرروا رميه بفرمان الحرمان. ومنعت الحكومة الإسرائيلية أي مسؤول رسمي من الالتقاء بالسفير آرو الذي يتوقع أن يصل إلى إسرائيل خلال أيام. وآرو المعروف بأنه أحد أبرز وأهم الدبلوماسيين الفرنسيين، وصاحب العلاقات القوية مع كبير مستشاري الرئيس الأميركي جاريد كوشنر، كان قد أنهى عمله سفيراً لبلاده في واشنطن هذا الشهر، بعد 5 سنوات من الخدمة. وسبق أن خدم كمندوب دائم لبلاده في الأمم المتحدة، وقبلها سفيراً في تل أبيب. وفي ختام عمله، أجرى مقابلة مطولة مع مجلة «ذا أتلانتيك» الأميركية، قال فيها إن «صفقة القرن» أقرب لما يريده الإسرائيليون، وإن احتمال فشلها هو 99 في المائة. وهاجم في المقابلة «سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين»، قائلاً إنها «في ظل الظروف الحالية في الضفة الغربية، هي سياسة فصل عنصري». واقتبسته المجلة كمن يسميها «دولة فصل عنصري».

وأكد آرو للمجلة أنه مقرب جداً من جاريد كوشنر، وأنه كان واحداً من القلائل الذين اطلعوا على مبادئ خطة السلام الأميركية، وقال إنها «قريبة جداً مما يريده الإسرائيليون، وهناك احتمال 99 في المائة أن تفشل، لكن علينا ألا ننسى احتمال الواحد في المائة أن تنجح. فالرئيس الأميركي دونالد ترمب ذو مقدرة خاصة على الضغط على الإسرائيليين، نظراً إلى أن شعبيته لديهم مرتفعة جداً».

وقال إن كوشنر أيضاً يدرك أن «الرهان الأول للإدارة الأميركية هو أن شعبية ترمب في إسرائيل تضاهي شعبية نتنياهو، وأن الإسرائيليين يثقون به، ولذلك سيقبلون طلباته مهما تكن صعبة. وهناك رهان ثانٍ، هو إقناع الفلسطينيين بأن هذه هي آخر فرصة لهم لتحقيق شكل ما من أشكال السيادة التي ستكون محدودة، لكنها مرفقة بعملية ضخ كبير للأموال، بدعم عربي وأجنبي ينقلهم إلى عالم الازدهار والتقدم».

وهنا، انتقل آرو إلى انتقاد السياسة الإسرائيلية، فقال إنها تتعامل مع الفلسطينيين بمنطق القوة، من خلال قناعتها بأنها أقوى منهم بكثير، وتتعامل مع الأمور بمفهوم أن «الوضع القائم مريح جداً لإسرائيل»، فلا ترى مصلحة لها في تقديم أي تنازل لهم، ولا ترى ضرورة لعرض شيء جدي عليهم.

وقال إن «الإسرائيليين يسيطرون على الضفة الغربية، لكنهم لا يعطون الفلسطينيين مواطنة إسرائيلية، ولا يتركونهم يقيمون دولة مستقلة تمنحهم مواطنة فلسطينية. وهم تحت حكمها مغبونون بكل المقاييس، وفي جميع المجالات. والتوصيف الوحيد لهذه الحالة هو تحويل السياسة إلى سياسة فصل عنصري بشكل رسمي. هذه هي إسرائيل اليوم، دولة تدير سياسة فصل عنصري».

وحذر من خطورة هذه السياسة، ونصح الإدارة الأميركية بأن تبدي فهماً أعمق للأوضاع، وأوضح أن «نظرة كوشنر إلى حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني تجارية بحتة، فهو لا يحاول تحديد من الصادق ومن المخطئ، إنما يحاول إيجاد حل عملي. ومن عناصر قوته أنه مناصر جداً لإسرائيل، ومن عناصر ضعفه أنه لا يزال غير قادر على استيعاب أنه إن عرض على الفلسطينيين الانتحار أو الخضوع للإسرائيليين، فإنهم سيختارون الانتحار».

يُذكر أن السياسة الفرنسية تجاه الصراع في الشرق الأوسط مبغوضة أصلاً في إسرائيل قبل تصريحات السفير آرو. ويلاحظ أنه من آن لآخر، تنشب أزمة بين تل أبيب وباريس. وقد انتقدت فرنسا الأسبوع الماضي قرار إسرائيل خصم قسم من أموال الضرائب الفلسطينية بكلمات قاسية، فرد عليها نتنياهو برسالة رسمية، كتب فيها أن «إسرائيل ستواصل العمل بموجب سياستها، وبحسب القانون الذي سن في الكنيست»، واعتبر «طلب فرنسا غير صائب من الناحية الأخلاقية والسياسية، ويتناقض مع أسس السياسة الأوروبية للصراع مع الإرهاب».

وقبل ذلك، كان قد ساد التوتر في العلاقة، عندما هاجمت قوات الشرطة الإسرائيلية مقر المعهد الثقافي الفرنسي في القدس الشرقية المحتلة. فقد اعتبرت فرنسا الهجوم «عدواناً وخرقاً للدبلوماسية»، فيما اتهمت إسرائيل فرنسا بأنها «تشجع الفلسطينيين على خرق القانون، والمساس برموزها السياسية في عاصمتها».