عائلة الضحية تطالب بلجنة دولية للتحقيق في ملابسات الوفاة داخل السجون التركية.
 
بدت الرواية التركية بشأن انتحار فلسطيني كانت اعتقلته منذ أيام قليلة، مهزوزة بشكل واضح خاصة أن الاتهامات التي وجهت له كانت كبيرة وتتعلق بالتجسس، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الوفاة ناجمة عن تعذيب شديد بهدف الحصول على معلومات دقيقة وفي وقت وجيز.
 
في المقابل، شككت عائلة الضحية في الرواية التركية وطالبت بلجنة دولية للتحقيق في ظروف الوفاة.
 
وزعم مكتب الادعاء في إسطنبول، الاثنين، أن الحراس عثروا على المشتبه به، ويدعى زكي ي.م. حسن، مشنوقا على باب دورة المياه في زنزانته في سجن سيليفري غرب إسطنبول عندما جاؤوا لتوصيل وجبة الطعام صباح الأحد.
 
وأضاف المكتب في بيان له أن السلطات فتحت تحقيقا في الواقعة وأن دائرة الطب الشرعي فحصت الجثة.
 
وتعتقد أوساط حقوقية تركية أن الرواية الرسمية جاءت مرتبكة، خاصة أنه تم الإعلان عن الوفاة بعد 24 ساعة من حدوثها، وتم التكتم عليها بانتظار “بناء رواية مقنعة”.
 
وتعرف السلطات أنه سيتم تناول القضية على نطاق واسع والربط بينها وبين قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
 

ومن الواضح أن استثمار أنقرة لأشهر في قضية خاشقجي قد ارتد عليها. ففي الوقت الذي سعت فيه للظهور بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان وحرية الصحافة في قضية خاشقجي، يكتشف العالم وفي أول اختبار جدي أن كل تلك الشعارات لا تعدو أن تكون مجرد مزايدات ومحاولة لتوظيف تلك القضية في ابتزاز السعودية وقيادتها.

وتميل تلك الأوساط إلى القول إن المحتجز الفلسطيني قد قاوم محاولات إجباره على اعترافات تسيء إلى الإمارات والسعودية وتقدر تركيا من خلالها على تثبيت مزاعمها بشأن قضية خاشقجي، وأن افتقاده لأي معلومات بشأن القضية، التي يراد إدانته فيها، انتهى به إلى الموت تحت التعذيب.

وكانت أنقرة قد ألقت القبض على رجلين فلسطينيين في إسطنبول، وزعمت أنهما يتجسسان لصالح دولة الإمارات في محاولة لتشويه البلاد وتصدير الأزمات إلى الخارج.

وتتمسك أسرة الضحية بأن الرجل بريء من التهم التي وجهت له، وأن فرضية الانتحار غير ممكنة، وتتناقض مع شخصية الرجل والتزامه الديني.

وقال يوسف، نجل الضحية، إن والده ذهب إلى تركيا للبحث عن عمل وإن أسرته فقدت الاتصال به في السابع من أبريل.

وأضاف يوسف “أبي سافر إلى تركيا بحثا عن لقمة العيش، ليبني لنا مستقبلا، فوجئنا باعتقاله.. وتوجيه بعض التهم الكاذبة والباطلة إليه.. هذه كلها مسرحية”.

وطالب باستعادة جثمان والده حاثا الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقوى الدولية على التحقيق في ملابسات وفاة والده.

وتابع قائلا “أريد من المجتمع الدولي تشكيل محكمة ولجنة دولية للتحقيق والوقوف على أسباب موت أبي والقصاص، ثانيا أريد تشكيل لجنة طبية من ضمنها طبيب فلسطيني أمين ليذهب إلى هناك ويقوم بتشريح جثة أبي ليعرف الحقيقة”.

وقالت شقيقة الضحية في مقابلة مع تلفزيون العربية إنها واثقة من أن شقيقها لم ينتحر.

وناشدت عائلة الشاب الفلسطيني الآخر العالم حماية ابنها الذي يقبع في سجون تركيا دون أي دلائل حقيقية تدينه، في وقت شجبت المنظمة العربية “قيام الأمن التركي بتعذيب الموقوف الفلسطيني حتى الموت”.

وطالبت المنظمة “المقرر الخاص بالتعذيب، بإرسال لجنة لفحص جثة المعتقل وعدم السماح للسلطات التركية بإخفاء جريمتها ودفن الجثة من دون إجراء تشريح محايد من قبل الأمم المتحدة”.

ويتساءل متابعون للشأن التركي، هل أن قضية المحتجز الفلسطيني الذي مات تحت التعذيب الوحشي في تركيا ستأخذ نفس الصدى الذي أخذته قضية خاشقجي في وسائل الإعلام الغربية، وتتم مناقشتها في مؤسسات ذات نفوذ مثل الكونغرس والتلويح بوقف مبيعات السلاح بسببها لأنقرة، أم سيتم التعاطي معها كحادث عرضي في ظل ازدواج المواقف والمعايير في العلاقات الدولية.

وأيا كانت ردود فعل المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام الغربية، فإن القضية ستخرج سجل تركيا في مجال حقوق الإنسان إلى دائرة الضوء، وخاصة داخل السجون التي تزايد نزلاؤها بعشرات الآلاف من المساجين منذ صيف 2016 تاريخ محاولة الانقلاب الفاشلة، والتي حولها الرئيس رجب طيب أردوغان إلى شماعة لتبرير اعتقال أكثر من سبعين ألفا من خصومه السياسيين.

ونشرت الأمم المتحدة في العام الماضي تقريرا جاء فيه أن هناك زيادة ملحوظة في انتهاكات حقوق الإنسان وأعمال التعذيب في تركيا، وأن السجون التركية تشهد عمليات تعذيب منظمة وممنهجة بحق المعتقلين الذين بلغ عددهم حوالي 160 ألف شخص، بحسب البيان الذي أكد أن التعذيب يتم بشكل منتظم في مخافر الشرطة والمحاكم ومديريات الأمن والحجز الاحتياطي.

وكشف التقرير الأممي أن وسائل التعذيب تتراوح ما بين الضرب المبرح واللكمات والركلات والضرب بالأدوات، والتهديد والتحرش، وصولا إلى الاغتصاب والعنف الجنسي والحرمان من النوم لأيام والتكبيل بالأصفاد.

كما رصد التقرير اكتظاظا في السجون والمعتقلات فوق الطبيعي، ففي بعض الأحيان يجلس ما بين 20 و30 شخصا في غرفة مساحتها 3 أمتار في 3 أمتار، كما أن هناك حالات مقلقة بسبب الأوضاع الصحية والنظافة داخل السجون.