البيان الختامي الذي صدر بعد انتهاء هذه الجولة، كان مجرد تكرار للإنشاءات البديهية التي لا خلاف عليها بين النظام والمعارضة والتي ظلت بمثابة لازمة لكل البيانات السابقة، مثل الالتزام بسيادة سوريا واستقلالها.
 

لم تلق الجولة الـ12 من مفاوضات أستانة السورية، التي انعقدت يومي 25 و26 أفريل الجاري، نفس القدر من الاهتمام الإقليمي والدولي، السياسي والإعلامي، الذي لقيته الجولات السابقة، لأسباب عديدة، ضمنها أولاً انحسار مستوى الصراع المسلح بين النظام والفصائل العسكرية المعارضة، لاسيما بعد أفول هذه الفصائل واستعادة النظام السيطرة على معظم المناطق التي كانت تخضع لها، خلال العامين الماضيين.

ثانياً وصول الأطراف الثلاثة المنخرطة في هذا المسار، أي روسيا وإيران وتركيا، إلى نوع من التفاهم على وجودها في الأرض السورية، رغم التباينات، في ما يشبه التوافق على توزيع “الكعكة” على الأقل في المرحلة الحالية.

 ثالثاً، رفض الولايات المتحدة، ومعها الدول الأوروبية، منح أي تغطية أو دعم لمسار أستانة، بل إنها مانعت ذلك برفضها تطبيع العلاقات مع النظام، أو الانخراط في عملية إعادة الإعمار، أو إعادة اللاجئين، معتبرة أن كل ذلك يجب أن يحصل في خضم عملية الانتقال السياسي وفقا لمنطوق القرار الدولي 2254، أي ليس قبل ذلك، وليس وفقاً لمعايير مختلفة عن ذلك.

وربما يفسّر ذلك حقيقة أن البيان الختامي الذي صدر بعد انتهاء تلك الجولة، كان مجرد تكرار للإنشاءات البديهية، التي لا خلاف عليها بين النظام والمعارضة، والتي ظلت بمثابة لازمة لكل البيانات التي صدرت سابقا، مثل الالتزام بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وعدم وجود حل عسكري للصراع السوري، وضرورة الإفراج عن المعتقلين، وحل القضايا الإنسانية، وضمنها عودة المهجرين.

مع ذلك فإن البيان لم يخلُ من إيحاءات جديدة لعل أهمها يكمن في جانبين، أولهما، أن الأطراف التي تتقاسم الجغرافيا والنفوذ في سوريا (روسيا وإيران وتركيا)، أدانت الاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة، باعتباره انتهاكا للقانون الدولي، وتهديدا للسلام والأمن في الشرق الأوسط.

 وثانيهما أن تلك الأطراف بالذات، التي تحاول خلق وقائع سياسية وأمنية وديمغرافية جديدة في سوريا، عبرت عن رفضها كل “المحاولات لخلق حقائق جديدة على أرض الواقع بذریعة مكافحة الإرهاب… والوقوف ضد المخططات الانفصالیة التي تهدف إلى تقويض سیادة سوریا وسلامة أراضيها وكذلك الأمن القومي للدول المجاورة” في إشارة واضحة إلى التواجد الأميركي في شرقي الفرات، والذي يدعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الوطني الكردي.

طبعا، تبقت نقطتان أساسيتان شكلتا محور الاجتماع. تتعلق الأولى بالوضع في شمالي غرب سوريا، أو في منطقة إدلب وريفي حلب وحماه، لاسيما مع وجود جبهة النصرة في تلك المناطق، وبالنتيجة فقد تم التوافق على تعويم هذه المسألة، بعبارة تتعلق بسيادة سوريا وسلامة أراضيها، واستعادة الاستقرار، و”تسییر الدوریات المنسقة والأداء الفعال لمركز التنسیق الإيراني الروسي التركي المشترك”، وهذا أمر جديد، إذ كان الحديث في السابق عن دوريات مشتركة روسية – تركية فقط.

وطبعا فإن البيان لم ينس تأكيد التعاون من أجل القضاء على الكيانات المرتبطة بالقاعدة وداعش والقصد جبهة النصرة، لكن من دون تصريح بكيفية القيام بذلك؛ أي أن هذه النقطة ما زالت مثار خلاف بين الأطراف المذكورة، لاسيما مع استئناف القصف على هذه المناطق عشية انتهاء اجتماع أستانة من قبل النظام والطيران الروسي.

أما النقطة الثانية، المتعلقة باللجنة الدستورية، فقد تم تأجيل البتّ فيها إلى اجتماع يعقد في جنيف لاحقا، بسبب الخلاف حول تركيبتها، ومحاولات النظام الدؤوبة للتملص من هذا الاستحقاق، وأيضاً بسبب عدم نضوج الظرف لتشكيل هكذا لجنة، لاسيما بسبب عدم وجود غطاء أميركي لها، في الظروف الراهنة.

معلوم أن مفاوضات أستانة المستمرة منذ عامين، والتي أريد لها أن تكون بديلا لمفاوضات جنيف، ومحاولة التفافية على القرارات الدولية المتعلقة بالشأن السوري، كانت في حقيقتها تجري بين ممثلين عن الدول الثلاث، بمعنى أن حضور الطرفين السوريين، أي النظام والمعارضة، كان شكليا، ولأغراض البروتوكول أو الصورة، وأن 12 جولة من المفاوضات لم ينتج عنها أي شيء، ولا على صعيد أي ملف مثل وقف القتال، أو تشكيل لجنة دستورية، أو حل القضايا الإنسانية. أما الملف المتعلق بمكافحة الإرهاب، فإن القوات الأميركية، مع قوات “قسد”، في شرقي الفرات، هي التي لعبت الدور الأساسي في ذلك، في حين بقيت هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)على انتشارها في منطقة إدلب.

وربما يفيد التذكير، أيضاً، بأنه في العام 2017 تم عقد ثماني جولات، وفي العام 2018 تم عقد ثلاث جولات (في أشهر مايو ويوليو ونوفمبر)، وأنه خلال ذلك تم التوافق على أربع مناطق “خفض تصعيد”، في الجنوب والوسط وفي حلب وإدلب (في الجولة الرابعة مايو 2017)، كما تم عقد مؤتمر سوتشي للحوار السوري بغرض تشكيل لجنة دستورية (يناير 2018).

لذا، فبالنسبة لمناطق “خفض التصعيد “فهي لم تكن كذلك حقاً، لأن النظام وحليفيه الروسي والإيراني اشتغلوا على الضغط بكل الوسائل وضمنها القصف، لإنهاء فصائل المعارضة المسلحة، وهو ما حصل. أما في شأن تشكيل اللجنة الدستورية فهذا لم يحصل، بسبب عدم توافق الأطراف الثلاثة، وبسبب رفض النظام، وأيضا لأن هذا التشكيل لم يحظ بقوة الدفع الدولية اللازمة لإنضاجه. إذن إلى الجولة الـ13 لمسار أستانة التفاوضي في العاصمة الكازاخية، التي بات اسمها “نور سلطان”، في يوليو القادم.