التيار الوطني الحر بين خيار الدولة وعنتريات المقاومة
 

يُعاني أهل التيار الوطني الحر انفصاماً خطراً في مواقفهم السياسية المُلتبسة بين الولاء للدولة التي استلموا زمامها وباتوا مؤتمنين عليها بموجب الدستور، وبين المقاومة الإسلامية  ربيبة نعمتهم والمدافعة عن حياضهم، ويتجلّى هذا الإنفصام في المواقف المُعلنة بما يختصّ بالسياسة الخارجية، والتي ينطق باسمها الوزير جبران باسيل، وفي الرؤيا السيادية للدولة والتي يُفصح عنها عادةً رئيس الجمهورية، وفي السياسة الدفاعية التي تولّى شؤونها في الحكومة الجديدة وزير الدفاع السيد الياس أبو صعب.

 

أولاً: التباسات فخامة الرئيس عون...
في إطلالات رئيس الجمهورية النادرة للحديث عن سيادة لبنان واستقلاله، ظهر الرئيس عون واضحاً وصريحاً منذ تولّيه رئاسة الجمهورية، حين صرّح أثناء زياراته الخارجية بأنّ المقاومة بسلاحها وعتادها وعناصرها ضرورة لازمة للدفاع عن لبنان بوجه الاعتداءات الاسرائيلية، ولم يُبال الرئيس بخطورة هذه التصريحات ومعارضتها لسيادة الدولة، وحقّ حصرية السلاح وامتلاك قرارات السلم والحرب، ذلك أنّ ما كان نصب عينيه، وما يزال، الحفاظ على التفاهم السياسي المُبرم بين التيار الوطني الحر وحزب الله، ليُصار بعد ذلك إلى تمويه هذه المواقف بتعقيبات وتوضيحات وتصويبات يقوم بها بعض قادة التيار، كلٌّ حسب موقعه وموهبته وقدرته على المخاتلة والتّضليل.

 

اقرا ايضا : تعديلات السيسي الدستورية..الديمقراطية أولى ضحاياها

 

 

ثانياّ: التباسات وزير الخارجية...
وزير الخارجية جبران باسيل هو من أبرز الذين عانوا في التيار الوطني الحر من أزمة الإنفصام بين الدولة من جهة والمقاومة من جهةٍ اخرى، خاصةً في المحافل الدولية والإقليمية والعربية، إذ كان عليه أن يحرص على استقلالية الدولة وسيادتها، والحفاظ على حياديتها في الصراعات السياسية الإقليمية خاصةً، مع الحرص على الحفاظ على التفاهم السياسي مع حزب الله، والالتزام ما أمكنه ذلك، بنهج المقاومة الإسلامية  وسياساتها الإقليمية والدولية التابعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولعلّه كان بارعاً في أداء دوره وتمثيله، فقد تمكّن من اجتياز حواجز عدّة، فرّط خلالها بكافة الموجبات السيادية الملقاة على عاتق وزارته، وعوّض عن ذلك برفع شعارات عنصرية مسيئة اتجاه النازحين السوريين، عبر عمليات تضليل واضحة الأهداف، فمقابل خروجه على الحياد الايجابي والنّأي بالنفس، راح يُزاود على الجميع باعتباره حامي السيادة الوطنية والمدافع الوحيد عن حقوق اللبنانيين عامةً والمسيحيين خاصةً.
ثالثاً: التباسات أبو صعب الفاضحة.

 

أثناء زيارة وزير الدفاع السيد الياس أبو صعب منذ أيام قليلة للجنوب وجولته الحدودية مع نائب حزب الله السيد حسن فضل الله،  أطلق   
معالي الوزير تصريحات غاية في الأهمية والخطورة،  لم تخلُ من بعض العنتريات الفارغة، وذلك بتهديد إسرائيل وتوعُّدها،  مستنداً في ذلك على توجيهات المقاومة ونهجها واعتبارها رأس الحربة في مواجهة العدو الصهيوني، حتى صحّ فيه المثل الشعبي: "القرعاء تتغاوى بشَعر إبنة خالتها"، إلاّ أنّ هذا لا يُعيب  الوزير أبو صعب طالما أنّ مواقفه تتّسق  تماماً مع توجهات التيار الوطني الحر،  وهو لم يأت بأمرٍ غريب أو مُشين، حتى جاء تصريحه المسائية المُناقض لتصريحاته الصباحية( بعد سجالاتٍ مع بعض قادة القوات اللبنانية)، إذ تنبّه معالي الوزير أنّه وزير دفاع، وأنّ الجيش اللبناني من مسؤوليّته، وأنّ عليه الحفاظ على معنوياته،  فنسخ موقفه الصباحي ليقول باّ الجيش هو المسؤول الأول والأخير عن الدفاع عن الأرض والوطن. 


قال زهير بن أبي سلمى:


ومهما تكُن عند امرئٍ من خليقةٍ


وإن خالها تخفى عن الناس تُعلمِ.