ركّز اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، الأسبوع الماضي، على نقطتين أساسيتين بما يخص الوضع الحدودي، جنوباً وشرقاً. وإلى جانب ملف الموازنة والاصلاحات المالية، وملف العقوبات على إيران وحزب الله، فإن الاهتمام المركزي في لبنان ينصب على الملفات الحدودية، أكانت الحدود اللبنانية الفلسطينية، أو الحدود اللبنانية السورية. وسيحتل ملف ترسيم الحدود حيزاً واسعاً في المرحلة المقبلة، تأثراً بالتطورات في المنطقة، وبما سيعلنه جاريد كوشنير من تفاصيل الخطة الأميركية للسلام أي "صفقة القرن"، بعد شهر رمضان، وما سبق تلك "الصفقة" من خطوات كثيرة، كان آخرها الاعتراف الأميركي بالسيادة الاسرائيلية على الجولان المحتل (مزارع شبعا ضمناً)، بما يضع المسألة الجغرافية في سلّم الأولويات اللبنانية.

فصل مزارع شبعا عن الجولان

القرارات التي اتخذها المجلس الأعلى للدفاع، تتعلق بضبط الحدود بشكل تام، جنوباً وشرقاً، لمنع تسجيل أي ثغرة يمكن للعدو أن يستفيد منها. ولا ينفصل ضبط الحدود عن مسألة ترسيمها بشكل واضح، وبرعاية الأمم المتحدة، برّاً وبحراً، خصوصاً بعد رفض لبنان للصيغة الأميركية المقترحة بحرياً (خط هوف). وبُعَيد الخطوة الأميركية بشأن الجولان، أطلق رئيس الجمهورية ميشال عون موقفاً يبدي فيه التخوف على مزارع شبعا، واحتمال شملها بالجولان، ما يعني أنها أصبحت أيضاً خاضعة لـ"السيادة" الاسرائيلية باعتراف أميركي.

وعليه، تتركز الجهود اللبنانية، من أجل إبعاد مزارع شبعا عن مصير الجولان. وهذه تقتضي التقدم بشكوى إلى الأمم المتحدة، بعد الحصول على اعتراف رسمي من النظام السوري بلبنانية المزارع. كذلك، لا شك أيضاً أن أي عملية لترسيم الحدود بين أعداء، تحتاج إلى درجة أعلى من "وقف الأعمال العدائية" أي إلى هدنة، وإلى مفاوضات غير مباشرة. وهذا ما يمكن لقوات الطوارئ الدولية ان تلعبه بمساعدة بعض الدول المهتمة كروسيا وفرنسا مثلاً. والمفاوضات لا يمكن لها أن تجري اذا لم تُثبّت الهدنة أو يُقرّ وقف لإطلاق النار. وهذا ما يسعى لبنان إلى تكريسه، تمهيداً للدخول في هذه المفاوضات، وتجنّب اي تصعيد عسكري.

وزير الدفاع وقائد الجيش جنوباً

ولذلك كان التشديد من قبل المجلس الأعلى للدفاع على وجوب استمرار التنسيق العميق مع قوات اليونيفيل، لمنع وقوع أي تجاوز في نطاق عمل القرار 1701. وهذا ما دفع بوزير الدفاع الياس بو صعب، وقائد الجيش جوزيف عون، إلى زيارة المناطق الحدودية الجنوبية، واللقاء مع قيادة اليونيفيل، لتشديد الإجراءات الضامنة للهدوء والاستقرار. وهذا تجلى في كلام بو صعب، إذ اعتبر أنه لا يوجد مؤشرات على اندلاع حرب اسرائيلية. كما أن لبنان غير مستعد للتفريط بأي حبة تراب من أرضه. العبارتان كفيلتان بإيضاح فحوى الزيارة وفحوى الاجتماع. 

وبانتظار تبلور المسار التفاوضي الذي يمكن لبعض الدول أن ترعاه، تبقى الحدود الجنوبية للبنان تحت المجهر الأميركي والاسرائيلي، تحسباً لحدوث أي عملية عسكرية من قبل حزب الله، رداً على الضغوط التي يتعرض لها ومن خلفه إيران. هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فالتركيز الأميركي والإسرائيلي ينصب على ترسيم الحدود البحرية. فمن الصعب أن تُعلن خطة السلام من دون الوصول إلى توافق مع لبنان بشكل أو بآخر على ترسيم الحدود البرية والبحرية، أي النفطية ضمناً. خصوصاً في ضوء استعداد لبناني للدخول في مفاوضات الترسيم، برعاية الأمم المتحدة.

الحدود السورية والتهريب

أما الجانب الأساسي الثاني لاجتماع المجلس الأعلى للدفاع، فقد تركز على ضبط الوضع شرقاً، خصوصاً مكافحة عمليات تهريب من وإلى سوريا. وهذا التركيز يأتي بعد رسائل تحذير أميركية وردت إلى لبنان لمنع أي عملية واسعة لتهريب المحروقات والغاز إلى سوريا، في ضوء العقوبات التي يتعرض لها النظام السوري وإيران. وبالتالي، أي عملية تهريب للمحروقات إلى الداخل السوري ستوجب فرض عقوبات على الشركات اللبنانية المهربة لهذه المحروقات، وسيتم وقف التعاملات المالية لهذه الشركات، إذا ما ثبت توريدها المحروقات إلى سوريا. ولذلك اتخذ المجلس الأعلى للدفاع قراراً بضبط حركة الدخول والخروج إلى سوريا على المعابر الشرعية. أما المعابر غير الشرعية فتلك مسألة أخرى. وهذه أيضاً لا بد أن يكون لها ارتباط بترسيم الحدود مستقبلاً بين لبنان وسوريا.