عاد الإرهاب يضرب بشكل إجرامي، وعاد الحديث عن تنظيم {داعش} فرع {ولاية خراسان»... وهذه {الولاية} تم التخطيط لها بشكل جيد؛ ففي 26 يناير (كانون الثاني) 2015 أعلن أبو محمد العدناني، المتحدث الرسمي باسم «داعش» آنذاك، في بيان صوتي، عن إنشاء «ولاية خراسان»، الذي يكمن طموحها الإقليمي في تشكيل كيان كبير يمتد من جمهوريات آسيا الوسطى وأفغانستان، إلى باكستان، بما في ذلك كشمير وشينجيانغ، وهي تعدّ واحدة من أكثر المجموعات الدموية التي تعمل في هذه البلدان. وقد اهتم {داعش} بشكل خاص بالمنطقة الأفغانية - الباكستانية، وعدّها وسيلة استراتيجية للتوسع، وملاذاً آمناً محتملاً.

على سبيل التذكير، عين أبو عمر الشيشاني قبل مقتله، قاري والي رحمان؛ وهو أفغاني من بغلان قاتل في سوريا عام 2013، ممثلاً خاصاً في أفغانستان لتنسيق المجموعات التابعة لـ«الدولة»، لكن «داعش» أبعده، واختار حافظ سعيد خان، وهو قائد سابق في حركة «تحريك طالبان باكستان»، والذي وافق عام 2012 على إرسال متطوعين إلى «القاعدة» في العراق وسوريا. عندما عاد متطوعو حافظ سعيد ومتطوعو المجموعات الأخرى مثل «شبكة حقاني» و«شورى بيشاور» من سوريا والعراق، بدأ القادة في تجنيد متعاطفين جدد مع آيديولوجيا «الدولة» من السكان المحليين.

مع حلول عام 2014 كان مبعوثو «الدولة الإسلامية» قد وصلوا بالفعل إلى باكستان وأفغانستان مؤسسين فرعاً محلياً من مجموعات مختلفة من الحلفاء، لكن كل واحدة منها مستقلة عن الأخرى. وصار هؤلاء؛ «تحريك خلافة خراسان»، أول مجموعة يعترف بها «داعش»: «خلافة أفغانستان» أنشأها عبد الكاظم رؤوف، وهو طالباني سابق من «مجلس شورى كويتا»، ومتحالف مع متعاطف آخر مع «داعش» هو مسلم دوست من «مجموعة عزيز الله حقاني» التي كانت صفوفها تتكون أساساً من متشددي «حقاني» السابقين، و«تحريك خلافة باكستان» الوحيدة التي كانت تعمل في باكستان بقيادة حافظ سعيد خان الأقرب إلى البغدادي.

تشير التقديرات إلى أن «ولاية خراسان» تضم ما بين 3 آلاف و5 آلاف مقاتل، ويمكن أن تصل إلى ما بين 7 آلاف و11.500 مقاتل. لقد كان هذا النمو السريع في الأرقام ممكناً بفضل التوسع الجغرافي السريع لـ«ولاية خراسان»، من خلال مجموعاتها الفرعية وحلفائها المنتشرين في أفغانستان وباكستان وخارجهما.

من الواضح أن وجود «ولاية خراسان» في إيران ضعيف، لكنه كان قادراً على شن هجوم على البرلمان الإيراني وضريح الخميني في 7 يوليو (تموز) 2017. ثم إن «ولاية خراسان» يمكن أن تعتمد على 3 مجموعات منفصلة: «حركات خلافة البلوش» و«فرع خراسان إيران»، و«الحركة الإسلامية لغرب أذربيجان».

في آسيا الوسطى، وبفضل الوحدات الطاجيكية والأوزبكية التي قاتلت مع تنظيم «داعش» في سوريا، أقامت «الجماعات الجهادية» المحلية علاقات وثيقة مع «ولاية خراسان»، ومن بين أكثر المجموعات نشاطاً: «الحركة الإسلامية لأوزبكستان»، و«جماعة أنصار الله» وهي القوة المسلحة الرئيسية في طاجيكستان، و«الحركة الإسلامية لتركمانستان» و«حركة تركستان الإسلامية» إحدى قوى المعارضة الإيغورية الرئيسية، وهي مجموعة «جهادية» صينية تعمل فعلياً باعتبارها «مشروع اختراق للصين».

أما باكستان؛ فإنها حالة خاصة؛ فلا نجد فقط مجموعات تم دمجها في هيكلية «ولاية خراسان» مثل «جيش الإسلام» و«مجموعة الملا باختوار»؛ إنما أيضاً نجد مجموعات طلاب متطرفين من جامعة كراتشي، ومجموعة منشقة من «حزب الأمة» تسمي نفسها «صوت الأمة» في لاهور... إلى طلاب «جمعية حفصة» المنتسبين إلى مسجد لال... وغيرهم، وكلهم أعلنوا البيعة لـ«ولاية خراسان». إضافة إلى ذلك، تتمتع «ولاية خراسان» بعلاقات قوية مع الجماعات المتطرفة في باكستان.

وبينما تدهورت العلاقات مع مجموعة «تحريك طالبان باكستان»، فلا تزال فروع أخرى من «طالبان» الباكستانية، مثل «عسكر الإسلام»، تحتفظ بصلات وثيقة مع «ولاية خراسان». أما العلاقات مع «عسكر طيبة» التي غالباً ما تسمى «المجموعة الخاصة بالاستخبارات الباكستانية»، فإنها سيئة جداً، لأن «ولاية خراسان» لا تريد جذب الجواسيس إلى صفوفها، ولا تريد أن تتحدى «عسكر طيبة».

رغم نموها السريع، فإن «ولاية خراسان» عانت من صراع على الزعامات، فكبر الخلاف بين حافظ سعيد ومسلم دوست، وكان الأول يحاول تهميش دور كل الجماعات الأفغانية داخل «ولاية خراسان» لصالحه، لذلك رفض غالبية قادة «الولاية» الاعتراف به، لكن طائرة «درون» (من دون طيار) أميركية قتلت حافظ سعيد. بعد ذلك؛ عينت الحركة حسيب الله لوغاري حاكماً مؤقتاً لأنه قريب من البغدادي ومن القيادة الأفغانية في «خراسان». وقتل هو أيضاً بعملية للقوات الخاصة الأميركية، فاختار الفرع العسكري لـ«الولاية» إسلام فاروقي باشتوني؛ وهو قد قاتل في سوريا عام 2014.

هذا الاختيار شكك فيه بعض أعضاء «ولاية خراسان» على أنه نتيجة اتفاق سري مع الاستخبارات الباكستانية. مجموعات آسيا الوسطى رفضته واختارت معاوية قائد «عمر غازي» السابق.

حول ما يتعلق بالعلاقة مع «طالبان»، حاولت «ولاية خراسان» في البداية على الأقل التوصل إلى اتفاق عدم اعتداء، لكن بسبب الآيديولوجيات المختلفة والطموحات الإقليمية، بدأت المواجهة بينهما. أيضاً حاول تنظيم «القاعدة» الحفاظ على علاقات جيدة مع «ولاية خراسان»، لمنع بعض مقاتليه من الانضمام إلى المجموعة الجديدة، لكن الاشتباكات كثرت بينهما. ومن أجل مواجهة التأثير المتزايد لـ«ولاية خراسان»، أسس أيمن الظواهري عام 2014 فرعاً لـ«القاعدة» في الهند (القاعدة في شبه القارة الهندية).

وفي حين خسرت «دولة (داعش)في العراق وسوريا»، فإن «ولاية خراسان» لا تزال تعتمد على النفوذ الإقليمي لكثير من الجماعات التابعة لها، وأثبتت أنها قادرة على القيام بهجمات مذهلة (هناك من يشير إلى أنها وراء عمليات سريلانكا). علاوة على ذلك، فإن عملية السلام الحالية بين «طالبان» والولايات المتحدة قد تدفع بقادة «طالبان» الذين يرفضون السلام، إلى الانضمام إلى «ولاية خراسان» رداً على الاتفاق.

موسكو تشعر بالقلق إزاء اختراقات «الولاية» المستمرة في جمهوريات آسيا الوسطى. إيران تمارس ضغطاً على «طالبان» لمواجهة «ولاية خراسان»، وقد فتحت لـ«طالبان» مكتباً في مدينة مشهد، وتؤيد عملية السلام الأفغانية على أمل إنشاء «حكومة طالبانية صديقة» في أفغانستان.

لكن تبقى الهند وباكستان الفاعليْن الرئيسيين في مكافحة عدم الاستقرار في المنطقة. وفي حين تتهم كل من الهند وأفغانستان باكستان بتمويل «عسكر طيبة» و«شبكة حقاني» وحتى إنهما تعدّان «ولاية خراسان» لا تقل عن فرع آخر لـ«طالبان»، تتهم باكستان البلدين بالدعم السري لحركة «تحريك خلافة باكستان» و«ولاية خراسان» لتقويض أمنها.

فهل تكون عمليات سريلانكا المفزعة بداية فصل جديد لـ«داعش» و«القاعدة» في آسيا الوسطى؟