في الكواليس السياسية والديبلوماسية كلام كثير عن احتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية لمناطق حساسة في لبنان وسوريا. وإن شكلت ايّ ضربة على لبنان نوعاً من المفاجأة فإنّ ايّ ضربة في سوريا تشكل العكس. فبنك أهداف إسرائيل السوري كما الإيراني كبير جداً وليس سهلاً إحصاؤه.
 

رغم كثافة التطمينات التي يقدمها الموفدون الغربيون والمسؤولون اللبنانيون فليس من بينها ما يحمل ايّ ضمان بمنع اسرائيل من ايّ ضربة تستهدف موقعا ما في لبنان. فبنك أهدافها الجديد ـ القديم لا ينتظر إثباتا من أحد، فهو يحتوي عددا من المراكز التي تدّعي صبغتها الإيرانية او تلك التابعة لـ «حزب الله» ولا تنتظر تأكيدا من أحد لمدى صدقيّتها سوى الدعم الأميركي المبني منذ فترة طويلة على تصنيف الحزب بين المنظمات الإرهابية ومن الأدوات التابعة للحرس الثوري الإيراني الذي يتعرض لعقوبات مشددة.

عندما تحدث رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو نهاية ايلول الماضي من على منصة الأمم المتحدة في نيويورك عن مصانع الصواريخ الإيرانية في بيروت وبعض المناطق الأخرى لم يتفهّمه إلّا الأميركيون وبعض الغرب من دون اعلان مباشر. وشهد الديبلوماسيون المعتمدون في لبنان على خلوّ بعض المراكز والمنشآت الرياضية من ايّ ادّعاء اسرائيلي.

لكنّ ذلك لم يمنع اسرائيل من التلاعب بالملف مرة أخرى، فتحدثت في شباط الماضي عن إقفال مصانع الصواريخ الإيرانية في لبنان دون إثبات، لتعود الى النغمة السابقة قبل ايام قليلة.

تزامناً مع سيناريوهات عدة سرّبتها عبر بعض الوكالات التابعة لها والدائرة في فلكها عن تشكيل «كتائب العودة» التي تنتشر على الحدود الجنوبية وتهدّد الجليل الأعلى بالتنسيق مع حركة «حماس» التي عزّزت سيطرتها على قطاع غزة وأبعدت السلطة الفلسطينية عنها تدريجاً على وقع المفاوضات غير المباشرة التي تقودها مصر وقطر بين الطرفين الإسرائيلي والحمساوي بعيداً من عيون وادوار السلطة في رام الله.

كانت كل المعلومات تؤكد انّ اسرائيل خطت خطوات عدة على طريق تكريس امر واقع جديد تريده على قاعدة «الفصل النهائي» بين القطاع والضفة الغربية.

وما بين محطتي اعتراف واشنطن بالقدس «عاصمة ابدية لإسرائيل» ونقل سفارتها من تل ابيب اليها واهدائها السيادة على الجولان المحتل، يراقب الديبلوماسيون بقلق حجم استقلالية غزة عن الضفة وابتعادها عنها في الطريق الى الإستقلال عنها ككيانين فلسطينيين منفصلين بحكومتين متنازعتين.

وفي تقدير مراجع ديبلوماسية غربية انه وعلى رغم من عدم اعتراف الأمم المتحدة ومعظم دول الإتحاد الأوروبي بالقرار الأميركي في شأن العاصمة الأبدية لـ «الدولة القومية اليهودية» وبالجولان ارضاً اسرائيلية، فإنها لم تُبدِ ايّ حراك تجاه خطوات «الإنفصال» بين الضفة وغزة التي تتعزّز يومياً.


فكل التقارير التي صدرت من تل ابيب والقدس تحدثت عن سيناريو إسرائيلي واضح المعالم واكب العمليات العسكرية ضد غزة في مراحلها المتقطعة منذ مطلع العام الجديد خلص الى وجود قرار بتقوية «حماس» لا إنهاءها.

فهي مناسبة للتفاوض حول كثير ممّا يدور في الكواليس الديبلوماسية ابعاداً لأيّ مشروع يتحدث عن حلّ للنزاع العربي - الإسرائيلي على قاعدة الدولتين لا بل فقد ذهبت ابعد من ذلك مهدّدة بضم أجزاء من الضفة الى اراضي اسرائيل على لسان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو قبل الإنتخابات التي أعادته الى السلطة.

على هذه الخلفيات لا تستبعد مصادر قريبة من واشنطن احتمال قيام اسرائيل في الأيام المقبلة بضربة محتملة في لبنان كما في سوريا. فالتوقعات لا تفصل مسارَ ايٍّ منهما عن الآخر. ففي الكواليس الديبلوماسية كلام كثير عن ربط اسرائيل ما بين الوضع في سوريا ولبنان وجعلهما على الطريقة الإيرانية «ساحة واحدة» من الصعب الفصل بينهما.

فكل ما يجري في سوريا له ارتداداته على لبنان والمنطقة ومَن اعتقد انّ لبنان بات في منأى دائم وابدي مضمون عن هذه النظرية يمكن مناقشته والتشكيك في صدقيته. فكل المحاولات الجارية لإبعاد لبنان من الساحات المشتعلة من اليمن الى سوريا باءت بالفشل. فلا يريد بعض المسؤولين الكبار الحديث مجدداً عن سياسة النأي بالنفس ولا بمنطق سحب «حزب الله» من هذه المواجهات وهو ما سمح للحزب بالمضي في سياسته الخارجية على طول هذه الساحات بلا ايّ رادع.

وانطلاقاً ممّا تقدم تخشى المراجع الديبلوماسية ان تستغل إسرائيل الجدل الداخلي في لبنان حول الأوضاع الإقتصادية بغية زيادة التوتر والقلق. وهي ليست بعيدة من السيناريوهات التي تتحدث عن افلاس الدولة والمَسّ بقوة نقدها على ابواب صيف لبناني واعد.

فالمناسبة توحي بالتذكير في امكان تكرار سيناريو أحداث 6 ايار 1992 للدخول على خط الأزمة بسلاحها المتفلت من ايّ ضوابط دولية واقليمية وصولاً الى عملية «عناقيد الغضب» في نيسان 1996 فالأجواء توحي بالمعادلة عينها تقريبا.

وأضف الى ذلك يمكن إسرائيل أن تستغل العقوبات المفروضة على «حزب الله» في اعتباره «جناحاً ايرانياً أكثر ممّا هو قوة لبنانية معطوفة على سلسلة العقوبات المتشددة على ايران.

وربما سمح لها بضربة محددة في زمانها ومكانها تعد لها بعناية تامة تزامنا مع اطلاق الدفعة الجديدة من العقوبات مطلع ايار المقبل لتوجيه رسالة مزدوجة الى المسؤولين اللبنانيين وايران ومعهما موسكو وواشنطن لتمرير ما تخطط له في الداخل الإسرائيلي. فهل هناك من المسؤولين اللبنانيين مَن يخشى ممّا هو مكتوب للمنطقة على ابواب الحديث عن «صفقة القرن» ام انه غافل عمّا يجري والى متى؟