قبل أن يشارك الرئيس ميشال عون في قداس الفصح في بكركي أطلق من الصرح البطريركي ما يمكن تسميته «خطاب النظام الرئاسي»، وشارك في القداس يقف خلفه معظم زعماء الموارنة، بحيث بدا أنّ الخيارات التي ينتهجها رئيس الجمهورية مغطاة من الكنيسة والقوى المسيحية كافة، بشهادة الصورة شبه الجامعة في بكركي.
 

كان من الواضح انّ «نكزة» عون أريد منها إصابة الرئيس سعد الحريري اولاً، والوزير علي حسن خليل ثانياً، وهي عكست جوهر الخلاف على الموازنة، وعلى الأثمان التي سيتم تحميلها سواء لموظفي القطاع العام او لمتقاعدي الجيش اللبناني، او للمصارف التي حُيّدت عن البحث الجدي في انتظار نضوج أرقام التقشف، سواء بفرض ضريبة اضافية على المحروقات، او برفع ضريبة القيمة المضافة، وكلها اعباء ستطاول اصحاب الدخل المحدود.

غير انّ جانباً آخر اكثر اهمية للخلاف بين عون والحريري، والذي لم يظهر الى العلن، بات يرتبط بنتائج العقوبات المالية التي تفرضها الولايات المتحدة الاميركية على «حزب الله»، ومجدداً وبطريقة صارمة على النظام السوري، وهذه العقوبات لا يمكن النظام المصرفي اللبناني التملص منها وهو ما يدركه ويديره جيداً حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي وصلت مقاومته للعقوبات، ومحاولته حماية النظام المصرفي منها وتدوير الزوايا الى الخطوط الحمر الاميركية التي لم يعد في الإمكان تجاوزها.

وتشير المعلومات الى انّ الكلام الذي قاله وزير الاقتصاد منصور بطيش عن سلامة، قيل في إطار الضغط على حاكم المصرف المركزي، من زاوية ترتبط مباشرة بالعقوبات.

ففريق عون وبطلب من «حزب الله» والنظام السوري، عمل في الفترة الاخيرة على المساعدة في تخفيف الضغط عن سوريا، في موضوع توريد المحروقات الى السوق السوري الذي يعاني من الحصار النفطي، وقد سُجّل دخول عشرات الصهاريج المعبأة بالبنزين اللبناني الى سوريا، ما أثار اعتراضاً اميركياً أبلغ الى السلطات اللبنانية، وقد اضطرت جمعية مصارف لبنان اثر هذا الاعتراض الى تحذير بعض شركات استيراد النفط من مغبة الاستمرار في نقل الوقود الى سوريا تحت طائلة اقفال حساباتها المالية، وهو ما ادّى بهذه الشركات الى وقف نقل النفط الى سوريا.

وتشير المعلومات الى أنّ الحريري استاء من تعريض النظام المصرفي والشركات اللبنانية لخطر التعرض للعقوبات، وقد أمّن الغطاء لحاكم مصرف لبنان في سعيه لحماية المصارف من العقوبات، علماً أنّ التجديد لسلامة كان حصل في بداية العهد بتوافق أتى بعد معارضة عون الذي ما لبث أن وافق بعدما لبّى الحاكم بعض المطالب المعروفة.

وتضيف المعلومات أنّ التباين بين عون والحريري على معالم المرحلة الاقتصادية المقبلة يبدأ من الموازنة ولا ينتهي بما طرحه عون الذي دعا الى المقاومة الاقتصادية، ولقد دعم الحريري سلامة لحمايته في مواجهة حملة استهدفته من فريق عون، علماً أنّ احد الاسباب الدفينة للحملة يعود الى العلاقة السيّئة بين الوزير جبران باسيل وسلامة، على خلفية ايّ انتخابات رئاسية مقبلة.

وتكشف المعلومات انّ المرحلة المقبلة ستحمل كثيراً من التحديات التي ليس آخرها الاتفاق على موازنة إصلاحية توافق عليها الدول المانحة، بل التعامل مع العقوبات التي يُنتظر ان تصدر على شكل حزمات متتالية، لتضييق الخناق المالي على «حزب الله» وحلفائه، وهذا ما سيضع حكومة الحريري في مواجهة بين حدَّين: الاول، خارجي ضاغط في اتجاه تطبيق العقوبات.

والثاني داخلي يمثله «حزب الله»، المعني الاول بالالتفاف على العقوبات من خلال مؤسسات الدولة والنظام المصرفي، الذي بدأ يطبّق إجراءات صارمة تفادياً للتعرض لعقوبات قاسية، كالتي تعرض لها البنك العربي.