لا يزال الوضع المالي والاقتصادي المتدهور يقض مضاجع اللبنانيين، لا سيما وأن المسؤولين عنه، ما زالوا غارقين في جدل بيزنطي حول كيفية الخروج من هذا المأزق، ولم يتلمسوا بعد الطريق الصحيح الذي يجنب البلد الكارثة.

جميعهم يرفع الصوت عالياً محذراً من الخطر الداهم من دون أن يقدم أحد منهم حتى الآن أي حل منطقي، أو معالجة موضوعية من شأنها أن تخفف من حدة القلق والخوف اللذين يعيشهما المواطن اللبناني سوى بعض المسكنات التي تساعد في نظرهم على تأخير الانهيار أو تأجيله على أمل منهم في تحرك دولي لإنقاذ لبنان.

بالأمس القريب تحدث الوزير علي حسن خليل المسؤول المباشر عن مالية الدولة ودق ناقوس الخطر في حال لم يُبادر أرباب السلطة إلى اتخاذ إجراءات سريعة تجنّب البلاد الكارثة، وحدد مكامن الخطر بصراحة غير معهودة في تاريخ لبنان الحديث، ولم يسمع أحد من اللبنانيين، أي تعليق من هؤلاء الارباب، أكان سلباً بقصد التصحيح أو تصويب المسار أم إيجاباً بقصد تشجيع الوزير المعني على استكمال الخطوات التي أعلن عنها بإجراءات عملية في الموازنة العامة التي تشكّل الاساس للهندسة المالية العامة للدولة واكتفوا إما بالصمت المطبق والتلطي وراء ملاحظات لا معنى لها، أو بالتأييد الخجول لما اقترحه الوزير الخليل من اجراءات عملية تطال بشكل أو بآخر الطبقة نفسها كونها تطال زبانيتهم الذين زرعوهم في القطاع العام لتكون في خدمتهم بدلاً من أن تكون في خدمة الدولة والجماعة التي تشكّل ذراعها.

ما قاله بالأمس رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع من أن الموازنة العامة تشكّل الحل المفيد لتفادي الكارثة التي تلوح في الأفق صحيح وواقعي إلى أبعد الحدود، لكن الصراع الخفي بين كبار الأرباب الذي برز مؤخراً في وسائل الإعلام، يُشير بكل وضوح إلى وجود أزمة ثقة بينهم هي التي أدت إلى هذا الإرباك الحاصل داخل الحكومة والذي أدى إلى التأخير في إقرار الموازنة.

وإذا كان رئيس الجمهورية استبعد استهداف رئيس الحكومة بما نسب إليه مؤخراً، فـإن ذلك لا يعني بأي شكل من الاشكال أن هناك تفاهماً بين أرباب السلطة على حل انقاذي للبلاد، بقدر ما هي محاولة منهم لتأجيل الانفجار الكبير الذي بات شبه مؤكد الا إذا دخلت المصارف اللبنانية على خط الانقاذ، وهذا ما زال حتى الساعة مستبعداً لأسباب كثيرة.