لعلها مجرد مصادفة أن يتزامن وقوف لبنان وسوريا وايران هذه الايام على حافة الهاوية الاقتصادية، من دون ان يكون العراق، بصفته حلقة مهمة في ذاك المحور المزعوم، في حالة إستقرار اقتصادي أيضاً. لكن الخيط الرفيع الذي يربط البلدان الاربعة ليس منسوجاً من خيال قادتها ومعاركهم الدونكيشوتية، هو أيضا معقوٌد بإحكام في نظرة الآخرين ، أميركيين وأوروبيين وروس وصينيين، الذين ما عادوا يميزون كثيراً، كما في الماضي بين الهويات الاربع وخصوصياتها.

الإدعاء الايراني الاخير بالسيطرة على أربع عواصم عربية، بإضافة صنعاء الى كل من بيروت ودمشق وبغداد، والذي لم يؤخذ يوماً على محمل الجد، بناء على حقيقة أن طهران لم ولن تمتلك المقومات السياسية والأقتصادية والثقافية لكي تكون عاصمة "إمبراطورية" تحكم اي عاصمة عربية ضعيفة أو مضطربة. هي تتمتع بلا شك بالامكانات الامنية (وليس العسكرية) لإطلاق مثل هذا الشعار، لكنها ليست مؤهلة حتى لأدوار حاسمة سواء كان في لبنان او سوريا او العراق او طبعا اليمن.


لكن، ولسوء الحظ، صدق الأميركيون والاوروبيون خاصة، ذاك الادعاء على الفور، وتعاملوا معه كأمر واقع. كانت هنا بالطبع حاجة الى تضخيم التوسع الايراني في العالم العربي، وفي تحويله الى خطر وجودي، يفوق الخطر الاسرائيلي ويحل محله تماماً. وكانت هناك رغبة في إختبار قوة العقوبات الاقتصادية وقدرتها على ان تكون بديلاً من الحروب العسكرية الطائشة او المكلفة. كان إختيار إيران لتكون هدف الحصار، نموذجياً، لا سيما في ضوء الخطاب الايراني المتفلت.


الإختبار دخل الآن في مراحله النهائية الحرجة، والسؤال لم يعد كيف ستنهار تلك السلسلة الايرانية؟ بل متى؟ ومن هي الحلقة الاولى التي ستتهاوى وتجر معها بقية حلقات "المحور المزعوم"؟ الظاهر هو أن سوريا هي الحلقة الاضعف والاقل قدرة على الصمود. وقد تأخر النظام كثيراً في إعلان نواياه بفك الارتباط مع طهران. ثمة من يرى أنه أعلن العكس تماما في الأسابيع القليلة الماضية، لا سيما عندما زار رئيسه بشار الاسد طهران، وإستقبل أكثر من موفد إيراني. لكنه لم يحصد حتى الآن ثماراً وافية لإحتواء أزمته المعيشية الخانقة.


الانهيار السوري وشيك، وقد يكون مدمراً أكثر من سنوات الحرب الثماني الماضية. والاسوأ من ذلك أنه سيعبر الحدود نحو لبنان بشكل أسوأ وأخطر من النزوح السابق، الذي ترافق مع حركة إنتقال للأموال والاستثمارات السورية، بحيث بات نحو نصف "النازحين" السوريين المقيمين داخل الاراضي اللبنانية يصنفون من موالي النظام ومموليه ومعاونيه على التهرب من العقوبات الدولية، كما صار أكثر من نصف المشرفين الايرانيين على الشأن الداخلي السوري يقيمون في لبنان او يمرون عبره.


هذا هو التقدير الدولي الذي يجعل لبنان هدفاً رئيسياً لنظام المراقبة والمحاسبة المفروض على إيران وسوريا، والذي يتخلى يوماً بعد يوم، تفهمه لحساسية الوضع اللبناني وتعاطفه مع الغالبية اللبنانية التي تناهض "محور الشر" الايراني.. ولا يمانع في أن يختبر فكرة الانهيار اللبناني، الذي لا يقتصر فقط على خطة ضرب حزب الله وجمهوره، بل بات يعتبر صدى طبيعياً للانهيار السوري الذي يتسارع على نحو خطير هذه الايام.


الهامش اللبناني يضيق يوماً بعد يوم. والاعتماد على التعقل الاميركي، او العطف الاوروبي، لم يكن له أساس، ولن يكون له أي مفعول. اما الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة، التي تناقشها السلطة اللبنانية، الان، فثمة ما يوحي بأنها تأخرت أيضاً، ولن تكون مجدية في منع تداعيات الانهيار السوري، او التعثر الايراني..كما لن تكون مقنعة في كسب ود الاميركيين، الذين يعتمدون الحصار الاقتصادي وسيلة لتغيير سياسي جذري في المحور الايراني وتوابعه، ويعتبرون أن الوقت مناسب لما يشبه"صفقة القرن"التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية نهائياً.