حكومة فائز السراج تبحث عن انقسام دولي بعد دعم واشنطن وموسكو لحفتر.
 
أدرك فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية في طرابلس خلال الساعات الأخيرة بداية تحوّل في الموقف الدولي لصالح الانتهاء من ظاهرة الميليشيات الجهادية وفصائل الإسلام السياسي في ليبيا، الأمر الذي دفعه إلى استدراج المجتمع الدولي لانقسام في شأن الموقف في ليبيا لتعديل موازين القوى الدبلوماسية لصالح حكومته في طرابلس.
 
ويعيش السراج تحت وطأة المحاصر بالجمع بين القلق والإيحاء بعدم وجود ما يدعو إلى القلق للمرة الأولى منذ الثامن من أكتوبر عام 2015 عندما فرضه المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا برناردينو ليون رئيسا للمجلس الرئاسي.
 
ومع اقتراب معركة استعادة طرابلس من نهايتها من قبل قوات الجيش الليبي برئاسة المشير خليفة حفتر، كشف السراج عن مأزقه السياسي الذي دخله طواعية عندما اختار الاصطفاف إلى جانب الميليشيات، والتسويق لها والتحذير من أزمة مهاجرين ليبيين تجتاح أوروبا.

وأسس الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والجنرال حفتر، الأسبوع الماضي، لتحوّل حقيقي في الموقف الدولي، لاسيما أن الإعلان عن هذا الاتصال يعبّر عن دعم واشنطن لمقاربة الجيش الوطني العسكرية في تخليص طرابلس والجوار من تحالف تيارات الإسلام السياسي المدعومة من تركيا وقطر.

واعتبر أحمد المسماري الناطق باسم الجيش الليبي الاتصال بين ترامب وحفتر بأنه انتصار في المعركة السياسية عبر إقناع العالم بأن القوات المسلحة تكافح الإرهاب.

وفي الوقت الذي أظهر السراج مظلومية في بعض التصريحات، عكس في محاولات أخرى الإيحاء بالقوة، وأنه ما زال قادرا على ردّ هجمات الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، مع استدراكه برفع شعار القلق من تدهور الوضع الأمني.

وعادت حكومة الوفاق أمس إلى الإيحاء بأن الوضع في طرابلس مستقر، بالإعلان عن فتح مطار معيتيقة أمام الملاحة الجوية، وذلك في تناقض دفع الناشط السياسي الليبي عزالدين عقيل، رئيس حزب الائتلاف الجمهوري الليبي، إلى القول إنها عقلية المُحاصر الذي تصدّعت قواعده حتى اقتربت من الانهيار.

وعلقت الملاحة الجوية لبضع ساعات ليلا في مطار معيتيقة، الوحيد قيد الخدمة في طرابلس. ثم استؤنفت الرحلات وفق مصادر ملاحية.

وليلا، سمعت انفجارات قوية من وسط المدينة. وتحدث شهود عن غارات جوية وهجمات لطائرات من دون طيار على العاصمة.

وكانت قوات حفتر تقدمت في اتجاه أبواب العاصمة من دون مقاومة قبل أن تشن قوات حكومة الوفاق المدعومة من الميليشيات هجوما مضادا.

وتصاعدت حدّة المعارك أمس بعد هجوم مضاد شنته قوات حكومة الوفاق برئاسة السراج وخصوصا في عين زارة في ضاحية طرابلس الجنوبية.

لكن المتحدث باسم الجيش الليبي أحمد المسماري لم يقر بخسارة مواقع واتهم “العدوّ بتلقي تعزيزات من إرهابيي القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية ومرتزقة أجانب”.

فيما يستمر الخلاف دبلوماسيا في مجلس الأمن الدولي حيث حاولت بريطانيا من دون جدوى، بدعم من ألمانيا وفرنسا، تمرير قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار وفتح ممرات إنسانية غير مشروطة في مناطق المواجهات. وأبرز معارضي مشروع القرار، وفي موقف نادر، الولايات المتحدة وروسيا.

ولفت دبلوماسيون غربيون إلى أن هذه من المرات القليلة التي تجتمع فيها موسكو وواشنطن حول موقف واحد في السياسة الخارجية لاسيما في شأن يتعلق بدولة عربية.

وقال خبراء في الشؤون الليبية إن السراج يسعى من خلال الإعلان عن هجوم مضاد للإيحاء بامتلاكه وحكومته القوة لردّ الهجمات، ناهيك عن أن ترديد بيانات صادرة عنه تتحدث عن إمساك بالوضع الميداني، لاسيما مطار طرابلس، يهدف إلى بعث رسائل إلى المجتمع الدولي مفادها أن القوات التابعة لحكومته تستطيع استعادة زمام المبادرة إذا ما حدث تحول نسبي في الموقف الدولي لصالح حكومته.

وقال عقيل لـ”العرب”، إن فائز السراج، الرئيس “غير التوافقي” لحكومة “غير وفاقية وطنية”، أصبح يُعاني من انفصامات مُتعددة أساسها التطورات الميدانية على مستوى معركة تحرير طرابلس التي جردته من آخر الأوراق التي كان يتغطى بها حتى وقت قريب لتمرير الوهم بحرصه على مدنية الدولة.

ولفت مراقبون سياسيون إلى أن تهويل السراج بخطر تدفق المهاجرين باتجاه أوروبا هو نسخة طبق الأصل عن تكتيكات سبق أن استخدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لابتزاز دول الاتحاد الأوروبي، ما يكشف عن تنسيق يجري بين أنقرة وطرابلس.

واعتبر محللون أن تهديدات السراج بتصدير الإرهاب والهجرة من ليبيا صوب أوروبا سيدفع الأوروبيين إلى دعم هجوم الجيش الوطني الليبي على العاصمة طرابلس تحريا لمقاربة تنهي الفوضى والانفلات الأمني اللذين يحذر حفتر من حدوثهما.

ورأى هؤلاء أن تجربة الجيش الوطني الليبي في كافة المناطق التي سيطر عليها أثبتت قدرة القوات التي يقودها حفتر على ضبط الأمن وإنهاء وجود الفصائل والجماعات الإرهابية المتمردة وإعادة الأمن والاستقرار.

وأضاف هؤلاء أن طلب السراج من مجلس الأمن إرسال بعثة تحقيق يهدف إلى تدويل الأزمة ودفع المؤسسة الأمنية إلى الانخراط والتورط في شأن يتحمل السراج مسؤوليته من خلال منحه الجماعات والتيارات الإسلامية غطاء شرعيا وجعلها طرفا يحظى برعاية “الحكومة المعترف بها”، فيما أنها وراء حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها البلاد منذ سنوات.

وتعيش الميليشيات في طرابلس حالة من التمزق تحت ضربات الجيش الأمر الذي أفقد السراج قوته، وهو بذلك يعرف أنه يقضي ساعته الأخيرة في السلطة، لأنه يدرك أنه سواء انتصر الجيش وهو أمر يسير بشكل متصاعد، أو الميليشيات، فإنه لن يكون له أي دور في المستقبل، ناهيك أنه لا يعرف كيف ستكون نهايته.

وتكشف هذه الوضعية الحرجة عن ورطة مُعقدة ومُركبة، يُضيف عز الدين عقيل، وهي التي تُفسر إلى حدّ ما تصرفات السراج في هذه الفترة التي ضاقت فيها هوامش المناورة أمامه داخليا وإقليميا ودوليا، خاصة مع إجماع مختلف الأطراف الفاعلة في الملف الليبي على ضرورة دحر الإرهاب في طرابلس.

وفيما تستعر المعارك في محيط طرابلس، وتتخذ أبعادا أكثر شمولية داخل قواعد الاشتباك التي فرضها الجيش على الميليشيات بما يُنبئ بأن ساعة الحسم باتت قريبة، يُواجه السراج الاختبار الصعب الذي يحاول الهروب منه.

وتجمع مُختلف القراءات التي تناولت الوضع المأزوم لرئيس حكومة الوفاق على أن السراج فشل في كل المهام التي تعهّد بها، وفي تنفيذ ولو بند واحد من الاتفاق السياسي الذي أوصله إلى رئاسة المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية.

فقد تجاهل أهم بند في ذلك الاتفاق وهو المتعلق بالترتيبات الأمنية الذي نص على حل الميليشيات، حيث عمد، عكس ذلك، إلى المراهنة عليها حتى تحوّل إلى رهينة لديها، وهي تستخدمه الآن للتغطية على أعمالها الإرهابية.