نيابة إسطنبول تحيل إلى القضاء مشتبهين فلسطينيين بالتجسس السياسي والعسكري لصالح دولة الإمارات.
 
عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى لعبة خلق الأزمات من خلال محاولة إحياء قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي وافتعال صلة ما لدولة الإمارات بهذه القضية على أمل أن يحول أنظار الأتراك عن هزيمة حزبه في الانتخابات البلدية، والتي خسر خلالها نفوذه التقليدي في المدن الكبرى، وعن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها تركيا تحت حكمه.
 
وقال مسؤول تركي الجمعة إن بلاده ألقت القبض على مشتبهين، هما سامر سميح شعبان وزكي يوسف حسن، وهما مواطنان فلسطينيان، في مدينة إسطنبول وزعم أنهما من عناصر المخابرات وأنهما اعترفا بالتجسس على رعايا عرب وإنها تحقق في ما إذا كان قدوم أحدهما إلى تركيا مرتبطا بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
 
وأوردت وكالة الأناضول أن النيابة العامة أحالت المشتبهين إلى القضاء بتهمة ارتكاب جريمة “التجسس السياسي والعسكري” و”التجسس الدولي”، ما يؤشر إلى أن العملية مرتبة ومعدة للاستثمار الإعلامي، إذ تم الإعلان عن الاعتقال مع الإحالة مباشرة إلى القضاء وتحديد التهم.
 
ولاحظ صحافي تركي أن قصة الاعتقال الأخيرة تأتي من “مصدر مجهول ينتمي إلى الشرطة ولا نمتلك أي تفاصيل إضافية عن الحادثة. لم ترد سوى بعض التكهنات الوحشية التي لا علاقة لها بمقتل خاشقجي، لكنها قد تتعلق بالتجسس الاقتصادي. اقترح مصدر آخر احتمال وجود رابط مع (إيقاف) عملية بيع بنك دينيز إلى الإمارات العربية المتحدة”.
 
“وقال في تصريح لـ”العرب” إن “ما نعرفه هو أن نظام إنفاذ القانون والعدالة في تركيا أجج شكوك العديد من المؤسسات الدولية، بما في ذلك الإنتربول، مع جملة من الاتهامات الوهمية والمحاكمات الزائفة، مثل تلك المتعلقة برجل الأعمال عثمان كافالا في قضية احتجاجات جيزي”.
 
ويرى متابعون للشأن التركي أن أردوغان، الذي أثبتت الانتخابات المحلية الأخيرة تراجعا كبيرا في شعبيته، يبحث عن معارك إعلامية خارجية بعد أن فشل خطابه في الداخل بإقناع الأتراك الذين يحتكمون فقط للوضع الاقتصادي وظروفهم المعيشية التي باتت الأسوأ منذ سنوات عديدة.
 
وباتت تركيا معزولة في محيطها الإقليمي والدولي بسبب سياسة التصعيد التي يقوم بها أردوغان في علاقاته الخارجية بما في ذلك مع الولايات المتحدة التي لم تعد قيادتها تتحمل عدائية الرئيس التركي تجاه مصالحها في تركيا وسوريا، فضلا عن مخاطر العلاقة الوثيقة التي يقيمها مع جماعات الإسلام السياسي في دول حليفة لواشنطن.
 
ويعتقد الرئيس التركي أن الاستثمار في قضية خاشقجي يمكن أن تكسر حالة البرود بينه وبين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو على الأقل تجد لها صدى في وسائل الإعلام الأميركية وداخل بعض المؤسسات وبين شخصيات مرتبطة ببقايا النفوذ القطري.

لكن مراقبين يقولون إن إدارة ترامب حسمت أمرها بشكل واضح على أكثر من جبهة، فهي من ناحية توثق علاقاتها الاقتصادية والأمنية مع حلفائها في الشرق الأوسط وبينهم دول الخليج، التي لا يفتأ أردوغان يستفزها عبر الإشاعات والاتهامات، ومن ناحية ثانية وقوفها ضد جماعات الإسلام السياسي بوجوهها المختلفة، بما في ذلك تلك التي يتحالف معها الرئيس التركي، كونها حركات مهددة لمصالح الولايات المتحدة وأمنها القومي.

ولن يجلب الاستثمار في قضية خاشقجي لأردوغان أي مكاسب في واشنطن أو في بقية دول الغرب، فضلا عن أنه يوسع الهوة بين تركيا وعمقها العربي والإسلامي ويفوت عليها فرصا كثيرة لإنقاذ اقتصادها المتهاوي.

واكتشف الأتراك الذين انتخبوا بكثافة في المدن ضد حزب العدالة والتنمية أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد تعود في جوهرها إلى المواقف السياسية الخارجية للرئيس التركي الذي وسع دائرة الأعداء بشكل هز الثقة في استقرار البلاد وبدت تركيا مكانا غير آمن لاستقبال رؤوس الأموال الخارجية، وخاصة من دول الخليج التي تتصدر أرقام الاستثمار في المنطقة وتنافس على أعلى مستوى في الاقتصاديات الكبرى.

وخلق الهجوم الإعلامي، الذي قادته وسائل إعلام تركية في قضية خاشقجي ضد السعودية وقيادتها، حالة من الريبة والشك في دول الخليج تجاه تركيا، ما حدا بسياح هذه الدول إلى التوقف بشكل شبه تام عن زيارة مدن تركية كانت في السابق قبلة سياحية مفضلة للعائلات الخليجية.

كما توقف الاهتمام الكبير بالمسلسلات التركية لدى الجمهور الخليجي خاصة بعد التفطن إلى أنها تروج لإحياء الاستعمار العثماني، وهي الحقبة التي لم تنس فيها ذاكرة شعوب المنطقة صور القتل والاستغلال.

إلى ذلك، فقد تسبب الهجوم الإعلامي التركي على السعودية في ردة فعل قوية لوسائل إعلامية خليجية وعربية نجحت في وضع أنقرة بالزاوية، وهو ما اعترفت به قناة الأناضول منذ أسبوع حين اشتكت من أن الإعلام السعودي يقود حملة ممنهجة ضد صورة أردوغان والدولة العثمانية.

ويجني الرئيس التركي نتائج سياسته التي قامت على استعداء الكل، وهي سياسة لم تجلب لتركيا سوى تراكم الأزمات بدل تصفيرها، وأن استمراره في الهروب إلى الأمام باستهداف السعودية أو الإمارات لن يحل أزمة الاقتصاد التركي، أو يخفف من تدني شعبيته في الشارع.

ويقول الصحافي التركي إن “ما نعرفه نحن الصحافيين أيضا، هو أن نتائج الانتخابات المحلية تركت حزب العدالة والتنمية الحاكم قلقا. يوم الخميس، استهدفت ‘فاينانشال تايمز′ كمركز للتآمر ضد الحزب الحاكم بسبب تقييمها لاحتياطيات البنك المركزي. ويوم الجمعة، اتهم الصحافي الناقد، قدري غورسيل، أردوغان قائلا أنه غير صادق. وكشف تقديم اسمه وأسماء سبعة صحافيين آخرين من أجل تسريع سجنهم، والذي يقول إنه أصبح أمرا وشيكا. قد تبدو كل هذه الحوادث منفصلة. ولكن، تظهر حكومة حزب العدالة والتنمية علامات تدل على ذعرها”.