بيروت تطلب مساعدة القطاع المصرفي لخفض عجز الموازنة، واحتقان الشارع بانتظار إجراءات تقشفية وإصلاحات قاسية.
 

لجأ وزير المال اللبناني علي حسن خليل إلى مطالبة المصارف المحلية بالقيام بدور في خفض العجز في موازنة الدولة من أجل تسهيل مهمة إجراءات الإصلاحات الاقتصادية الشاقة، التي لم تعد الحكومة قادرة على تأجيلها.

وقال الوزير إن القطاع المصرفي اللبناني “عليه أيضا مسؤولية… أن يساهم في إطار تخفيض عجز موازنتنا. هذه المساهمة من شأنها أن تتكامل مع إجراءات إصلاحية ستقوم بها الدولة”.

وألمح في مقابلة تلفزيونية إلى إمكانية تنفيذ خطط حكومية لخفض فاتورة أجور القطاع العام، قائلا إنه يجب وضع سقف للأجور والمزايا الاجتماعية والعلاوات التي تتجاوز في رواتب البعض ما يتقاضاه أكبر مسؤولي الدولة ومنهم رئيس الجمهورية.

وكان رئيس الوزراء سعد الحريري قد حذر في تصريحات شديدة اللهجة الأربعاء الماضي من أن لبنان سيواجه كارثة إذا لم تقر الحكومة موازنة قد تكون الأكثر تقشفا في تاريخ البلاد.

وفي مواجهة واحد من أكبر أعباء الدين العام في العالم وسنوات من ضعف النمو الاقتصادي، تعهدت الحكومة اللبنانية بإصلاحات تأخرت طويلا من أجل وضع المالية العامة للدولة على مسار مستدام.

وكانت وكالة رويترز قد نسبت إلى وزير المال قوله في الأسبوع الماضي، إن مشروع موازنة 2019 يتوقع عجزا يقل عن 9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 11.2 بالمئة في العام الماضي مع تخفيضات واسعة في الإنفاق تشمل “إجراءات استثنائية تقشفية”.

وأضاف خليل أن الموازنة، التي يُنظر إليها على أنها اختبار حاسم لإرادة الدولة المثقلة بالديون على إجراء إصلاحات، تستند إلى نمو متوقع قدره 1.5 بالمئة، لكنه قد يصل إلى حوالي اثنين بالمئة مع تسارع النشاط الاقتصادي.

وفي ما يتعلق بفاتورة أجور القطاع العام، أشار خليل إلى ضرورة التعامل مع الأجور والمعاشات المتعددة التي يحصل عليها بعض موظفي الدولة الحاليين والمتقاعدين. واستشهد بمسألة العلاوات التي تتجاوز في كثير من الحالات الرواتب المنتظمة.

وانتقد أيضا التطبيق الواسع لحوافز كانت موجهة في الأصل لجنود الجيش على الخطوط الأمامية لكن الكثيرين من الذين يخدمون في الجيش والأجهزة الأمنية يحصلون عليها حاليا، وهو ما يضع تكاليف كبيرة على الخزانة.

وأثارت التكهنات بتخفيضات في أجور ومعاشات القطاع العام احتجاجات صغيرة في الأسبوع الماضي، حيث أغلق عدد من ضباط الجيش المتقاعدين الطرق بإطارات مشتعلة ورفعوا لافتات تحذر من المساس برواتبهم.

وأقر خليل بحساسية المغامرة بالمس بفاتورة الأجور قائلا إنه يعرف أن هذا الكلام سيؤدي إلى استياء الكثيرين. لكنه أضاف أنه “في موضوع المعاشات، لا يعقل اليوم أن يكون هناك عدد كبير يقدر بالآلاف تزيد رواتبهم على راتب رئيس جمهورية لبنان”.

وتعكف حكومة الحريري هذه الأيام على وضع اللمسات الأخيرة على الموازنة العامة للدولة لعام 2019 والتي من المتوقع أن تفي بوعودها بإجراء إصلاحات قد تكون “صعبة ومؤلمة” لتفادي تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

وتواجه المالية العامة للدولة أعباء الرواتب والدعم الضخم الذي يتم إنفاقه على قطاع الطاقة، إضافة إلى خدمة الدين العام الذي وصل إلى مستويات تعد من بين الأعلى في العالم كنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وأشار الحريري بعد اجتماع في البرلمان الأربعاء إلى إمكانية اتخاذ تدابير تقشفية قد تستمر بضع سنوات. وألمح إلى تخفيضات كثيرة تمتد إلى الحوافز التي يتمتع بها بعض العاملين في الدولة مثل العمل الإضافي والمفروشات والسيارات.

ومن شأن اتخاذ خطوات جادة نحو الإصلاحات أن يساعد لبنان في الحصول على تمويل تزيد قيمته على 11 مليار دولار تعهدت به المؤسسات المانحة والحكومات الأجنبية في مؤتمر سيدر، الذي عقد في باريس في العام الماضي.

ويشترط المانحون إجراء إصلاحات هيكلية واسعة من قبل الحكومة، التي تعهدت بتنفيذها في ذلك المؤتمر مثل إصلاح قطاع الكهرباء وخفض الإنفاق والدعم الحكومي.

وفي إطار جهودها الإصلاحية، وافقت الحكومة الأسبوع الماضي على خطة لإصلاح قطاع الكهرباء، الذي شكل عبئا كبيرا على الموارد المالية للدولة لسنوات. ووافق البرلمان على الخطة في جلسة الأربعاء الماضي.

ويعاني لبنان منذ عقود من مشكلة متفاقمة في قطاع الكهرباء ذات المعامل المتداعية، ومن ساعات تقنين طويلة، جعلت المواطن يدفع فاتورتين، واحدة للدولة وأخرى مرتفعة لأصحاب مولدات الكهرباء الخاصة في وقت لم تكن تتمكن مؤسسة كهرباء لبنان من جباية الفواتير من مناطق عدة.

ويرى الكثير من المحللين أن ضعف إمدادات الكهرباء يلحق أضرارا كبيرة بالنشاطات الاقتصادية وأن إصلاح القطاع يمثل أحد أكبر الاختبارات أمام الحكومة الجديدة، خاصة أنها شرط أساسي للإفراج عن تعهدات المانحين.