القناعات تتجه إلى أن العراق سيكون مسرحا لاستخدامات إيرانية مزدوجة يفسرها النظام السياسي في العراق بالتوازن ومسك العصا من الوسط والسير بحذر على حبل مشدود في الصراع بين الولايات المتحدة وإيران.
 

نظام الملالي يصنف حرسه الثوري كقوات عسكرية نظامية حاله حال الجيوش الوطنية في معظم دول العالم. التناقض وازدواجية التقييم لأداء المؤسسات بعض من سمات سلوكيات النظام الحاكم في إيران منذ استلام الخميني للسلطة في فبراير 1979، ولهذا تتصرف المؤسسة الدينية بمعزل عن النظام الدولي، متجاوزة الحدود السياسية للجغرافيا لتصدير مشروعها العقائدي المذهبي الذي لا يعترف بحقوق الدول في السيادة على أراضيها وصياغة رؤيتها لمستقبل ومصير مواطنيها.

الجدل حول صراع مشروع الثورة مع مشروع الدولة في تركيبة النظام هو صراع يدخل في باب الالتفاف على القوانين الأممية كما لو كان هذا الجدل جواز سفر مزورا لاختراق المنظومات الأمنية في المعابر الحدودية، بذات المعايير يمكن الجدل حول صلاحيات الحرس الثوري وفيلق القدس رغم الاختلاف الواسع بينهما، إلا أن الهدف يكمن في التمويه بواجبات حماية الثورة والنظام، أي في علاقتهما بالشأن الداخلي لإيران.

الحرس الثوري من صلب واجباته قمع أي حركة مضادة ومنها الاحتجاجات، حيث تشير أعداد المعتقلين إلى أكثر من 10 آلاف معتقل منذ بداية انتفاضة ديسمبر عام 2017. أما فيلق القدس فغاياته وإن كانت تختفي خلف التسمية لتمرير مبررات التمدد إلى المنطقة، إلا أن واجباته الأساسية والمحددة تتعلق بالقمع الخارجي، أي بإشاعة الإرهاب في الدول التي يجد فيها فراغات أو حواضن سياسية أو مجتمعية، مستغلاً المواقف والميول لتحشيد أدواته ومناهجه تحت شعار التوجه لتحرير “القدس” لما لهذه المدينة من وقع في نفوس العرب والمسلمين.

إدراج الحرس الثوري وتابعه فيلق القدس على لائحة الإرهاب أزاح ضبابية وغموض مواقف الإدارات الأميركية وتأرجحها أحياناً إلى حد التخاذل، كما هي الوقائع في ردود فعلها تجاه العمليات الإرهابية التي طالت أوروبا أو مواطنيها في مواضع متعددة، أو في تخادمها مع ولاية الفقيه في احتلال العراق بسياسة غض الطرف أو الانسحاب تحت قناع من التواطؤ يحفظ ماء وجه الدولة العظمى في توقيع الاتفاق النووي والدعاية له كما لو كان انتصارا للسلم العالمي، على الرغم من إدراك جميع الموقعين عليه أن الاتفاق يؤجل الأزمة ويرحلها إلى سنوات قريبة مقبلة، ويطلق العنان لمشروع الإرهاب الإيراني في التوسع على حساب العرب.

المرحلة التالية من العقوبات ستجيب عن سؤال يتعلق بالجهاز الأمني المسؤول عن العمليات الإرهابية والاغتيالات في أوروبا ودول العالم، لذلك تتبلور الدعوات لإدراج وزارة المخابرات والأمن الإيرانية على لائحة الإرهاب لثبوت تورطها في تنفيذ سلسلة من الهجمات واستهداف المعارضين الإيرانيين أو تمويل الإرهاب، وذلك بتجنيد البعثات الدبلوماسية أو العاملين في مراكز لنشاطات مدنية ودينية لأغراض ملاحقة الشخصيات المطلوبة للنظام.

في ذات السياق بالإمكان متابعة تداعيات ما قاله وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، عندما أكد سيطرة الحرس الثوري على 20 بالمئة من اقتصاديات العراق، إذ سارع تحالف الفتح، الذي يضم ميليشيات الحشد الشعبي ومن بينها منظمة بدر المعروفة بتاريخ ولائها للحرس الثوري، إلى نفي تواجد أي قوة تسيطر على اقتصاد العراق، والتصريح أثار أيضاً استغراب رئيس مجلس الوزراء عادل عبدالمهدي مما ورد في تصريح الوزير بومبيو، لكن ما يبعث على الغرابة حقاً، ما جاء في وكالة أنباء إيرانية عن لسان عادل عبدالمهدي “إن الحرس الثوري يمتلك مصادر اقتصادية واستثمارات في العراق”.

كيف يمكن أن نفسر التأكيد الإيراني على سيطرة الحرس الثوري على جزء مهم من اقتصاد العراق نقلاً عن رئيس الوزراء إلا تشهيراً بالنظام السياسي وإشهاراً لسيطرتهم على العراق.

ما الذي يدفعهم إلى ذلك في وقت حرج يحتاجون فيه إلى الدبلوماسية والقوة الناعمة لتوصيل رسائل تهدئة إلى المحيط الإيراني ودول العالم، ومن ضمنها الولايات المتحدة في خطوة قد تتيح لبعض الدول، وتحديداً الدول الموقعة على الاتفاق النووي، مراجعة أو رسم بعض خطوط الرجعة إلى طاولة المفاوضات وتنفيذ الشروط الأميركية لاختصار الزمن والمعاناة على الشعوب الإيرانية، وبالتالي الإبقاء على النظام وعدم الوصول به إلى المواجهة مع ثورة الجوع عند نقطة الصفر.

الإجابة في ملالي طهران الذين باتوا يدركون أنهم دخلوا في النفق المظلم الذي ليس في نهايته إلا نهايتهم، وهذا التصور ترسخ في عقلية النظام منذ لحظة إدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب، عندها أصبحت خطوة التراجع غير ممكنة لأنها نفق آخر لسقوط النظام بالتدريج. والحل لديهم يتجه إلى كسر العقوبات عن طريق دول الجوار بالتهريب عبر الحدود، أو عبر الالتفاف المصرفي، أو باستغلال علاقة تلك الدول مع الولايات المتحدة على تباينها.

القناعات تتجه إلى أن العراق سيكون مسرحاً لاستخدامات إيرانية مزدوجة يفسرها النظام السياسي في العراق بالتوازن ومسك العصا من الوسط والسير بحذر على حبل مشدود في الصراع بين الولايات المتحدة وإيران، ويراها العراقيون فرصة للرهان على مسرح عروبتهم بانتظار ردود الفعل من ميليشيات الحرس الثوري في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن أو حتى في متغيرات مزاج زعماء الميليشيات من تحالفاتهم واختياراتهم السابقة للرئاسات الثلاث.