مهما كانت براعة طاقم الحكم الحالي في العراق في ممارسته لعبة التوازن في العلاقة مع مختلف المتنافسين على النفوذ في البلد، فإنّ إيران لا يمكنها إلاّ أن تنظر بتوجّس إلى تنامي العلاقات بين العراق والسعودية ليقينها بعدم قدرتها على مجاراة المملكة في اللعب على أرضية الاقتصاد لاستقطاب بغداد لصفّها.. ويبقى الحلّ الوحيد بيد طهران في هذه الحالة، محاولة تغيير طاقم الحكم العراقي برمّته.
 

ترافقت زيارة رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي على رأس وفد كبير إلى المملكة العربية السعودية، مع تداول الأوساط السياسية والإعلامية العراقية، أنباء بشأن جهود للإطاحة به من منصبه خلال الصيف القادم حين تبلغ الاحتجاجات الشعبية على تردّي الخدمات ذروتها، كما هي الحال في كلّ صيف عندما تبلغ الحرارة درجاتها القصوى وتتراجع خدمة التزويد بالكهرباء.

ورغم أنّ عبدالمهدي زار إيران قبيل زيارته الرياض، كما أنّه استقبل في بغداد الرئيس الإيراني حسن روحاني قبل استقباله وفدا سعوديا كبيرا من الوزراء والخبراء ورجال الأعمال، إلاّ أنّ طهران لا تبدو مرتاحة للعبة التوازن التي يحاول طاقم الحكم الجديد في العراق ممارستها سواء عن طريق رئيس الوزراء، أو عن طريق رئيس الجمهورية برهم صالح، أو رئيس البرلمان محمّد الحلبوسي.

وبحسب متابعين للشأن الإيراني فإنّ من الطبيعي أن تتخوّف طهران من أن تتحوّل عملية “تشبيك المصالح” بين بغداد والرياض، إلى عملية استقطاب بالكامل للعراق من قبل السعودية وإخراجه من دائرة النفوذ الإيراني، وذلك بفعل القوّة المالية الكبيرة للمملكة، في وقت يحتاج فيه العراق إلى استثمارات ضخمة لإعادة ترميم بناه التحتية المحطّمة بفعل سنوات من الإهمال وتوقّف عجلة التنمية، وهو الوضع الذي فاقمته سنوات الحرب ضدّ تنظيم داعش، وأيضا لإعادة تنشيط اقتصاده المنهك.

وتمّ خلال الزيارة التي اصطحب فيها عبدالمهدي 11 وزيرا و68 مسؤولا حكوميا وأكثر من 70 رجل أعمال، توقيع 13 اتفاقية في مجالات الطاقة والنفط والاستثمار والزراعة، للمرة الأولى منذ عقود.

وورد في بيان بشأن الزيارة أنّ “الجانبين أكّدا على أهمية تعزيز العلاقات التاريخية والاجتماعية واستثمار الإرث السياسي والتاريخي والديني للبلدين”.

هوشيار زيباري: حزب الدعوة يخطط مع تيار الحكمة لإسقاط حكومة رئيس الوزراء
هوشيار زيباري: حزب الدعوة يخطط مع تيار الحكمة لإسقاط حكومة رئيس الوزراء
وبحسب البيان ذاته، بحث عبدالمهدي في السعودية “المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية، واتفقا على مواصلة التشاور والتنسيق بما يعزز وحدة الصف العربي والعمل العربي المشترك”.

ومن جهته أفاد بيان صادر عن مكتب عبدالمهدي أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قال خلال لقاء جمعهما “نضع كل إمكانات وخبرات المملكة في خدمة العراق وشعبه، ونتطلع معا للاستفادة من الطاقات والفرص الاقتصادية المتوفرة لدى البلدين”.

وإلى جانب التعاون الاقتصادي، فإنّ مجال التعاون والتنسيق بين السعودية والعراق في شؤون الأمن، يبدو رحبا في مرحلة بسط الاستقرار وملاحقة فلول تنظيم داعش وخلاياه النائمة، بعد هزيمته عسكريا.

ونقلت فضائية العربية، الخميس، عن وزير الخارجية العراقي محمد الحكيم قوله إن الرياض وبغداد اتفقتا على التعاون في مجالي الأمن والمخابرات.

وتذهب مصادر عراقية إلى اعتبار الأخبار بشأن جهود الإطاحة بعبدالمهدي مجرّد إنذار له من قبل معسكر الموالاة لإيران، حتى لا يذهب أبعد مما وصل إليه في التقارب مع السعودية وإنشاء شبكة مصالح اقتصادية واسعة بين بغداد والرياض، لكنّ مصادر أخرى تؤكد “جدّية المساعي لإسقاطه عبر تغيير تركيبة التحالفات النيابية، وصولا إلى تشكيل كتلة ذات أغلبية قادرة على ممارسة ضغوط على الحكومة وصولا لإسقاطها”.

وتتحدّث المصادر عن سيناريو عملي للوصول إلى ذلك يتمثّل في استغلال تصاعد الخلافات داخل الكتلتين الكبريين “الإصلاح” المشكّلة من حلفاء زعيم التيار الصدري، و“البناء” الملتئمة حول شخص هادي العامري زعيم ميليشيا بدر لتشكيل كتلة جديدة من المكوّنات الغاضبة من استئثار تحالفي “سائرون” و“الفتح” بالمناصب الوزارية والإدارية.

وتشرح المصادر نفسها أنّ رئيسي الوزراء السابق حيدر العبادي، والأسبق نوري المالكي يتّجهان لتشكيل النواة الصلبة للكتلة المنشودة وذلك بإعادة توحيد تحالف النصر بنوابه الإثنين والأربعين وائتلاف دولة القانون بنوابه الخمس والعشرين، على أن يستقطبا منشقين آخرين عن تحالفي “الإصلاح” و“البناء” الآخذين في التصدّع.

وأشار وزير الخارجية العراقي الأسبق هوشيار زيباري إلى تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم كشريك محتمل في جهود إسقاط حكومة رئيس الوزراء.

وقال في تغريدة على تويتر إنّ حزب الدعوة الإسلامية يخطّط مع تيار الحكمة للعودة إلى صدارة المشهد السياسي والإطاحة برئيس الوزراء عادل عبدالمهدي.

وإذ تحمل خطوات التقارب الجارية بين “الغريمين” السابقين المالكي والعبادي مصالح مشتركة للرجلين اللذين توحّد بينهما رغبتهما في العودة إلى سدّة الحكم، أو على الأقل الحفاظ على المكانة السياسية، فإنّها تحمل أيضا مصلحة لإيران التي لم تكن أبدا بعيدة عمّا يجري في كواليس السياسية العراقية، وقد تجد من الأجدر في الوقت الحالي فرملة اندفاع حكومة عبدالمهدي صوب السعودية، إما بوضع رقيب وازن على خطواته، أو بإزاحته عن السلطة.