يقرع الجميع في المنطقة طبول الحرب، ويتبادلون التهديد محذّرين بعضهم البعض بالويل والثبور وعظائم الامور، ولكنهم في الوقت نفسه لا يبدو انهم ذاهبون الى الحرب، وانما يبدون عائدين منها، ويستعدون للجلوس الى طاولة الحلول والتسويات...
 

يقول قطب نيابي، إنّ الولايات المتحدة الاميركية تمارس اشد الضغوط على إيران بغية إخراجها عن طورها، مراهنة على ان تؤدي الضغوط الى تفجّر أزمات في الداخل الايراني والى حراك في الشارع يستهدف إسقاط النظام.

ولكن ايران في المقابل تُدرك هذا الهدف الاميركي، وانّ واشنطن ليست في وارد شن حرب عليها، فتمارس سياسة «ضبط النفس» وامتصاص الصدمات وتردّ على التهديد بالتهديد، وتضغط في الوقت نفسه على حلفاء الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة، ولاسيما منهم دول الخليج، فيما هي ضمناً لا ترغب الدخول في أي حرب.

والأمر نفسه ينطبق على دول الخليج وعلى روسيا وتركيا وغيرهما من القوى والمحاور الدولية المنغمسة في أزمات المنطقة والتي تتمحور حولها هذه الدولة أو تلك.

ويستنتج القطب نفسه من هذه الوقائع والمعطيات، انّ الولايات المتحدة الاميركية ليست في وارد شن حرب وتكبّد تكاليفها الباهظة، وكذلك اسرائيل التي تهدّد ايران وحلفائها وعلى رأسهم «حزب الله»، وتتوعدهما، مستفيدة من مناخ عربي خليجي يتهم إيران و«حزب الله» بـ«زعزعة» الاستقرار في المنطقة، من لبنان الى سوريا والعراق وصولاً الى الخليج واليمن، الى درجة انّ بعض الدول الخليجية تتهم ايران بـ«إثارة الفتنة» في بعض الدول العربية والاسلامية، وانّ على المجتمع الدولي والعواصم الكبرى ان تعمل على تقويض النفوذ الايراني في الاقليم.

كذلك تستفيد إسرائيل من هذا المناخ ومن «غض طرف» روسي ودولي، فتقصف مواقع في سوريا من حين الى آخر، تقول إنها تابعة للحرس الثوري الايراني او لـ«حزب الله» اللبناني.

لكن هذا القطب النيابي يستطرد في هذا الصدد ليؤكّد، انّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يستطيع شن حرب كبرى في المنطقة. فهو في تاريخه لم يتخذ اي قرار بشن حرب، وانما يقتصر الامر عنده دوماً، كلما كان في سدّة رئاسة الحكومة الاسرائيلية مثلما هو الآن، على شن غارات أو توجيه ضربات محدودة فقط، ولا يذهب الى شن حرب بكل ما تعنيه كلمة حرب من معنى.

إلاّ انه بعد الانتخابات الاخيرة للكنيست الاسرائيلي والتي تفرض عليه تأليف حكومة ائتلافية، قد يصبح في وارد شن حرب، لأنّ الاطراف والاحزاب الاسرائيلية التي ستأتلف معه، تؤيّد بشدة خيارات شن الحروب وخصوصاً ضد ايران وحلفائها الذين يشكلون بالنسبة اليهم الخطر الآني والمرحلي والاستراتيجي على إسرائيل.

ولكن ثمة من يعتقد انّ نشوب الحرب من عدمه يبقى مرهوناً بمصير «صفقة القرن» التي يلوّح الرئيس الاميركي دونالد ترامب وادارته بالإعلان عنها قريباً، في وقت لم تظهر عملياً على الارض بعد أي معطيات صلبة تؤشر الى انّ هذه الصفقة سهلة النفاذ، خصوصا انّ الموقف العربي منها عموماً هو موقف الرفض، فضلاً عن الرفض الفلسطيني القاطع لها. فكيف لترامب في هذه الحال ان ينجح في إمرار صفقة من هذا النوع لا تؤيّدها الغالبية العربية الساحقة، ولا الفلسطينيون أصحاب القضية أصلاً؟.


دعم ترامب نتنياهو انتخابياً بكل الوسائل بما فيها تهديده اليومي لإيران و«حزب الله» منذ ما قبل زيارة وزير الخارجية مايك بومبيو الأخيرة للمنطقة وإطلاقه التهديد والوعيد ضد ايران و«حزب الله» من بيروت وقبله من إسرائيل.

وهذا «الدعم الترامبي» لنتنياهو مكّنه بنحو وآخر من امتلاك بعض اوراق القوة التي سيّلها لاجتذاب مزيد من الناخبين الى جانبه ففاز في الانتخابات الاسرائيلية.

على انّه لا يمكن إغفال الجانب الروسي عن دعم نتنياهو، حيث ساهم على طريقته في فوز نتنياهو، سواء من خلال تسليمه رفات احد الجنود الاسرائيليين الذين قُتلوا في منطقة السلطان يعقوب في البقاع الغربي اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، او من خلال «التطنيش» عن الطيران الاسرائيلي عندما خرق قبل ايام من الانتخابات الاسرائيلية المنطقة المحظورة عليه روسياً في الشمال السوري وقصف مواقع قرب مدينة حلب قالت تل ابيب انها تابعة للايرانيين و«حزب الله».

هذان الدعمان الاميركي والروسي لنتنياهو، ليسا بلا مقابل، اذ سيكون على الاخير ان يساهم عبر «اللوبيات» اليهودية في الولايات المتحدة الاميركية في تأييد ترامب في معركته الانتخابية المقبلة للفوز بولاية رئاسية ثانية عام 2020.

وكذلك دعم خيارات الرئيس فلاديمير بوتين في ترسيخ النفوذ الروسي في المشرق، وفي استفادة روسيا من الاستثمارات في نفط البحر المتوسط وغازه، من بحر غزة وصولاً الى بحر سوريا وبينهما لبنان وقبرص واسرائيل، خصوصاً ان هناك شركات روسية عملاقة شاركت او ستشارك في التنقيب عن النفط والغاز في الحوض الشرقي للبحر المتوسط.

ويعتقد سياسيون متابعون انّ المنطقة برمتها ستكون من الآن وحتى الاستحقاق الرئاسي الاميركي، وكذلك حتى ترتيب غاز المتوسط ونفطه في ظل الوجود الروسي، بمثابة ساحة للاميركيين والروس وحلفائهما من اجل تسديد اهداف فيها بغية تعزيز مصالحهم على مستويات عدة.

فترامب يعتقد انه اذا نجح في تحقيق «صفقة القرن» سيضمن فوزه بولاية رئاسية ثانية، خصوصاً انّ «الرئيس الناجح» في الولايات المتحدة الاميركية هو ذلك الذي يفوز بولايتين رئاسيتين متتاليتين.

وبوتين يعتقد انّ دعمه نتنياهو انتخابياً عبر تسليمه رفات احد الجنود المفقودين في الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 معطوفاً على السماح المتكرّر له في الإغارة على مواقع الايرانيين و«حزب الله» في سوريا حتى في عقر «الدار الروسية» اذا جاز التعبير، على الاراضي السورية سيضمن له مزيداً من النفوذ والوجود المستدام على المياه الدافئة وما تختزنه من ثروات نفطية وغازية، ولا يضيره ان يحظى بتأييد اليهود الروس في اي استحقاق روسي.