العلاقات العربية مع أهل العراق تأخذ مداها في عودة الروح والأمل بالغد بعيداً عن معاناة سنوات استنزف فيها شعب العراق بحماقة الاحتلال الأميركي، وبمناورات النظام الإيراني ومشروعه الإرهابي الذي استهلك أيضاً حياة الشعوب الإيرانية.
 

أصبح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكما يبدو بعد نتائج تقرير المحقق الخاص روبرت مولر بعدم وجود دلائل على تعاون بين أي من أعضاء حملته للانتخابات الرئاسية عام 2016 وبين روسيا، أكثر انصرافا لتنفيذ رؤيته في السياسة الداخلية والخارجية، إضافة إلى استقرار تطلعاته نحو كسب معركته الانتخابية لدورة رئاسية ثانية.

قرار إدراج قوات الحرس الثوري على لائحة المنظمات الإرهابية وإن كانت تكملة للعقوبات الأميركية المفروضة على النظام الإيراني، هو قرار يحتل مرتبة متقدمة من الثقة بدعم مجلس الشيوخ وأيضاً مجلس النواب وتوافق لأعضاء من الحزب الديمقراطي في كلا المجلسين، وبتوقيت صار بالإمكان فيه تفهم دور الحرس الثوري وفيلق القدس الذي يتولى مهمة إدارة الميليشيات في دول المنطقة، ومنها الميليشيات التي ابتلعت العراق في السياسة والأمن وارتهنت اقتصاده لتقويض آثار العقوبات.

الميليشيات الإيرانية تتباهى وتتفاخر منذ سنوات بأنها جزء من الحرس الثوري في التمويل والتدريب والتجهيز، وهي بذلك لا تحتاج إلى فتاوى من مراجع مذهبية أخرى في بلدان نشاطها، وإن كانت تستغلها، كما حصل في العراق لتبرير تشكيلها أو بقائها رغم أن كياناتها كمنظمات مسلحة ارتبطت بالحرس الثوري استجابة لحماية سلطة الخميني منذ 22 أبريل 1979.

التصريحات المفعمة بغرور الولاء للولي الفقيه الإيراني وحرسه الثوري، تحولت بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وفرض العقوبات إلى نقمة، خاصة بعد إدراج حرس النظام وفيلق ميليشياته على قائمة الإرهاب، بما يعني تصنيف عناصرها كإرهابيين ينبغي ملاحقتهم كمطلوبين للعدالة الدولية، ولاحقاً سيطرح السؤال الذي ظلّ معلقاً بشأن تقييد حركة قائد فيلق “القدس” قاسم سليماني وتحديدها، وهو ما ذهب إليه النظام لإتاحة المجال لدبلوماسية وزير الخارجية محمد جواد ظريف والرئيس حسن روحاني لتكملة أداء الشوط الإضافي لمشروع إرهاب ولاية الفقيه.

ترتفع بعض الأصوات بثنائية الخوف والسخرية من تصنيف الحشد في العراق كمنظمة إرهابية جنباً إلى جنب مع أصوات لا ترى أصلا في الحشد “الشعبي” إلا منظمة إرهابية تقع تحت طائلة العقوبات على الحرس الثوري استنادا إلى اعترافات زعماء الحشد والميليشيات المنضوية فيه بانتمائهم إلى حماة الثورة الإيرانية.

الحرس الثوري في إيران له واجبات لا صلة لها بالجيش الإيراني، أي بمن يحمي الوطن والشعب والحدود. الحرس واجبه ضمان بقاء النظام وهذا ينطبق بالمطلق على الحشد في العراق وعموم الميليشيات الإيرانية المرتبطة بالحرس الثوري، أي إنها تقوم على حماية النظام وبقائه، لكن أي نظام؟ هل المقصود حماية النظام السياسي في العراق، أم حماية المشروع الإيراني الذي تتصدى لتنفيذه الأحزاب والحكومات التي تدين بالولاء العقائدي لولاية الفقيه؟

النظام الحاكم في العراق يفترض أن يدين بالولاء للمحتل الأميركي، لتواطئه القديم معه منذ زمن ما يعرف بالمعارضة، وهي فترة تفضح الاندفاع الإيراني لتوصيل الخدمات، بتلك الأحزاب المتوطنة على العداء مع وطنها الأم لصالح ولائها العقائدي لمشروع الملالي. خدمات موثقة بالتقارير والصور إلى الاستخبارات المركزية الأميركية، لكن ما الذي صنع من الشيطان الأكبر حليفاً “مؤقتاً” إذا اعتبرنا ذلك مناورة لإسقاط النظام الوطني السابق في العراق واستبداله بنظام حكم خاضع لولاية المرشد؟

هل فات نظام ولاية الفقيه أن الولايات المتحدة الأميركية ستجاورها مع عملائها عند احتلال العراق؟ بمعنى أدق إن إيران ساهمت في إدخال الأفعى التي تخشاها إلى الحجرة المجاورة، أم أنها خططت لذلك ضمن منطق أمنيات الاستئثار بالسلطة في العراق بالتقرب المسبق من الدولة العظمى بوسطائها لفرض نظام سياسي يتناغم مع إرادتها في تمزيق العراق، نظام يتماشى مع توجهات الإدارة الأميركية في فترة الرئيس جورج بوش الابن، وما أكدته الإدارة التالية لها للرئيس باراك أوباما من مساومة ومهادنة المشروع الإيراني في العراق والشرق الأوسط مقابل الاتفاق النووي سيء الصيت والنوايا.

بعد أن استنفد النظام الإيراني غاياته المرحلية في تدمير العراق وأجزاء مهمة من المدن العربية تحت مظلة الاحتلال الأميركي، أصبح النظام يدرك تماماً مخاطر مهنة الإرهاب والاستمرار فيها، لذلك هو يلجأ في ظل المتغيرات إلى تقديم الميليشيات كخسائر ضمن حساباته المتوقعة لإعاقة وتأخير المواجهة مع النظام وقوات حرسه، أو لإعطاء المزيد من فرص المراجعات والمبررات السياسية للعودة إلى طاولة المفاوضات امتثالا لأوضاعه الداخلية.

بعد 40 سنة من إرهاب النظام الإيراني ما عادت لعبة المرونة في السياسة أو الاختباء في جلباب حجة الوحدة بين أبناء الأمة الإسلامية لترويض الاحتقانات، لعبة تجريب للثقة. فالوقائع تشير إلى هروب أعداد من منتسبي الحرس الثوري إلى الخارج من الذين تقادمت عليهم السنين في الخدمة وأحيلوا على التقاعد أو من الذين أصبحوا خارج الخدمة لأسباب مختلفة، وهؤلاء معظمهم وضعوا تحت المراقبة خوفاً من فرارهم بما يمتلكونه من معلومات، وتحديداً بعد قرار تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية.

في بريطانيا ودول أوروبية أخرى برزت إلى السطح ملامح تأييد لقرار الرئيس دونالد ترامب في أعقاب جرد متواصل لسلسلة من الاغتيالات أو الهجمات الإرهابية، أو دعم التطرف أو الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال وعلى مستوى العالم نفذها الحرس الثوري الإيراني.

ما يهمنا أن العلاقات العربية مع أهلنا في العراق تأخذ مداها في عودة الروح والأمل بالغد بعيداً عن معاناة سنوات ليست بالقصيرة استنزف فيها شعب العراق بحماقة الاحتلال الأميركي، وبمناورات النظام الإيراني ومشروعه الإرهابي المتخلف والدموي الذي استهلك أيضاً حياة الشعوب الإيرانية.