نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني يطالب عبر «الشرق الأوسط» بعودة اللاجئين السوريين إلى «مناطق آمنة» في بلدهم
 

اعتبر نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني غسان حاصباني، أن القطاع المصرفي في لبنان يواجه «وضعاً دقيقاً للغاية»، علماً أنه من «الأعمدة الرئيسية للاستقرار» في البلاد، داعياً إلى الشروع في «إصلاحات فورية» لمكافحة الهدر والفساد، فضلاً عن «النأي بالنظام المالي عن أي مفاعيل» للعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران. وطالب المجتمع الدولي بـ«استحداث مناطق آمنة» للاجئين داخل سوريا.

ويشارك حاصباني في افتتاح منتدى الشراكة لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي لدى الأمم المتحدة في نيويورك، ويتحدث عن تجربة لبنان بالعمل على أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، فضلاً عن اجتماعات يعقدها مع عدد من المسؤولين الأميركيين في واشنطن.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، أجاب حاصباني عن أسئلة عن مدى استقرار الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان، وقال: «لا بد من الاستقرار لأنه حاجة»، موضحاً أن «الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي يحتم العمل الجدي والسريع من الحكومة ليس فقط لتلافي تفاقم هذا الوضع بل أيضاً لعكسه». واعتبر أن المحافظة على الاستقرار «تشكل تحدياً كبيراً في ظل كل ما يحصل من حولنا»، بالنظر إلى العقوبات التي تفرضها الإدارة الأميركية «على جهات مختلفة في المنطقة وفي الداخل اللبناني»، في إشارة إلى إيران والأطراف التابعة لها وأبرزها «حزب الله».

ولفت أيضاً إلى وجود النازحين السوريين وغيرهم في لبنان «ما يزيد الوطأة على الحال الاقتصادية»، مؤكداً أن «هناك ضرورة لترسيخ الاستقرار والعمل على وضع إصلاحات جدية وبنيوية على المستويين الاقتصادي والإداري».

وعن تواتر التقارير عن احتمال حصول انهيار في الوضع المالي والنقدي اللبناني، رأى أن «التحدي مترابط بين الأوضاع المالية والنقدية والاقتصادية»، موضحاً أن الجانب الأول يتعلق بالمالية العامة والعجز فيها، وهو ما «يوجب علينا مباشرة العمل فوراً على مناقشة الموازنة»، معتبراً أن «هذه ليست عملية حسابية فحسب، بل يجب أن تطبق الموازنة قرارات استراتيجية للدولة وضمنها الرؤية الإصلاحية التي انطلقت من مؤتمر سيدر» الدولي الذي استضافته باريس في أبريل (نيسان) 2018 لدعم لبنان، والذي «يجب أن يؤخذ على محمل الجد».

وأوضح أن «الإصلاحات يجب أن تطال كل القطاعات من أجل تفعيل قدرتها على النمو وعلى تطوير ذاتها»، مشيراً أولاً إلى «حل الكهرباء الذي انطلقنا به عبر التفاهم على خطة، ولكن العبرة بالتنفيذ بوضوح وضمن الأطر القانونية والآليات العملية والإدارية الصحيحة، ومن ضمن ذلك تفعيل مؤسسات الدولة التي يمكن أن تعزز الشفافية والثقة لدى المستثمرين ووضع نظام حوكمة حول هذا القطاع لطمأنة المستثمرين»، موضحاً أن ذلك يشمل «آليات تتعلق بهيكلية مؤسسة كهرباء لبنان ومجلس إدارتها، لتسييرها بشكل فاعل وتشكيل هيئة ناظمة لها وفقاً للقوانين المرعية، وإذا كانت هناك حاجة لتعديل هذه القوانين فليحصل ذلك في أسرع ما يمكن». وذكر بأنه «في قطاع الاتصالات توجد قوانين منذ عام 2002 من أجل إعادة هيكلة هذا القطاع وتفعيل المنافسة فيه واستقطاب الاستثمارات مما من شأنه أن يضخ أموالاً كبيرة وفورية على خزينة الدولة ما يسهم في خفض العجز وخفض تكاليف الدين».

أما في الجانب النقدي، فقال إن «استقرار سعر صرف الليرة اللبنانية يعتمد على توافر العملات الأجنبية في السوق وفي قطاع المصارف»، مضيفاً أن «وصول الودائع الجديدة يمكن أن يسهم في الاستقرار المنشود، وهذه الودائع يمكن أن تصل من الدول الحريصة على استقرار لبنان وتلك التي تعتبر لبنان بلداً صديقاً»، في إشارة إلى الدول الخليجية الرئيسية كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن الدول المانحة في الأميركيتين وأوروبا.

وكشف أنه شدد خلال لقاءاته في كل من واشنطن ونيويورك على «ضرورة أن يبقى القطاع المصرفي والمالي في لبنان من الأعمدة الأساسية لاستقرار لبنان»، فضلاً عن «إبقائه في منأى عن أي خطوات قانونية تتخذها الولايات المتحدة أو غيرها من العقوبات المتعلقة بغسل الأموال وسواها من الإجراءات»، لأن «القطاع المصرفي اللبناني حريص على الالتزام التام بالقوانين الدولية».

وعما إذا كانت هناك خطوات وشيكة ستتخذها الحكومة اللبنانية لإعادة هيكلة النظام المصرفي اللبناني برمته، أوضح أن «الإجراءات التي يجري الحديث عنها لها علاقة بإجراءات تقشفية في المصاريف والأكلاف التي تتكبدها في الإدارة وفي التكاليف التشغيلية للدولة وتكاليف الرواتب والتقاعد»، مستدركاً أن «هذا ليس حلاً دائماً، بل أجزاء من الحل».

ورأى أن «الحل يجب ألا ينطلق من منظور واحد فحسب. يجب أن ننظر إلى كل مكونات الموازنة والوضع المالي من أجل إحداث تحولات من جهة عائدات الدولة». وتحدث عن «قرارات كبرى يجب أن تتخذ، وضمنها تحسين جباية الضرائب والرسوم والجمارك وإغلاق منافذ الهدر الكبرى»، معتبراً أن «الموجع في هذه الإصلاحات هو أن بعض القوى السياسية لم تتعود على اتخاذ قرارات جريئة من هذا النوع»، أي أن «قرارات الإصلاح يجب ألا تطال المواطن، بل العادات القديمة التي كان يجري التغاضي عنها»، لا سيما لجهة الفساد.

ورداً على الضغوط الأميركية التي تستهدف «حزب الله» التابع لإيران في لبنان، أجاب: «نقاشنا مع المسؤولين يزيد من الوعي لديهم بأنه يجب النأي بالقطاع المصرفي اللبناني عن أي مفاعيل للعقوبات الأميركية على إيران»، معتبراً أن هناك أهمية «للتفاعل مع صناع القرار على المستوى الدولي ليس فقط من أجل القطاع المصرفي، بل أيضاً المساعدات للجيش اللبناني»، لأنهما «العمودان الأساسيان للاستقرار في لبنان». وقال: «لمسنا أن هناك نيّة حقيقية بتحييد المؤسسات عن مفاعيل أي عقوبات».

ورأى أن «الأخطار الكبرى التي تواجه لبنان هي في حال عدم الاستقرار في المنطقة على مستوى الدول ووضع النازحين الذين نحرص على أن يعودوا بأسرع ما يمكن إلى ديارهم سالمين وألا ننتظر الحلول السياسية بعيدة المدى»، مضيفاً: «نطالب المجتمع الدولي بإيجاد حلول خاصة بالنازحين»، مثل «استحداث مناطق آمنة لهم داخل سوريا برعاية دولية كمرحلة أولى». وأشار إلى أن «التحدي المالي هو الأكبر ويجب أن نعالجه بسرعة كبيرة»، مكرراً التركيز على «الإصلاحات لأنها من المتطلبات الدولية الرئيسية قبل أي استثمار أو دعم مالي».

وفي شأن عودة الحوار بين القوى اللبنانية حول سلاح «حزب الله» واستراتيجية الدفاع الوطني، قال: «الوضع دقيق للغاية بالنسبة إلى الوضع المالي. علينا أن نعالجه بعد تأخر طال. نحن نسابق الوقت للقيام بما كان علينا القيام به خلال العام الماضي. لا أولوية حالياً فوق هذه الأولوية». ونبه إلى أن «الرئيس ميشال عون تطرق إلى الحوار الوطني والاستراتيجية الدفاعية، ويعود له أن يقرر المكان والزمان من أجل العودة إليهما في الوقت المناسب».