عشية فتح أوراق الموازنة العامة على طاولة مجلس الوزراء في الأيام المقبلة، كما وعد بذلك رئيس الحكومة سعد الحريري، صدرت تصريحات لبعض الأفرقاء تناولت بشكل خاص خفض رواتب موظفي القطاع العام، كتدبير لا بدّ منه لخفض العجز في الموازنة، اثار موجة رعب في صفوف اللبنانيين استدعت اجتماعاً سريعاً جمع إلى الرئيس الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل المعني المباشر بهذه التصريحات ووزير المال علي حسن خليل ونائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان ومعاون الأمين العام لحزب الله حسين الخليل خصص للبحث في كيفية تطويق تداعيات تصريح وزير الخارجية ولفلفة الوضع من دون الرجوع عن الإجراءات التقشفية الصعبة التي ألمح إليها رئيس الحكومة قبل عدّة أيام لعدم تكرار التجربة اليونانية المرّة في لبنان وتلميحه إلى ان هذه الإجراءات لا بدّ من ان تطال موظفي القطاع العام الذين عليهم، كما جاء في تصريحه، القبول بأنهم لا يستطيعون الاستمرار على هذا المنوال، ومن يحزن انه سيخسر نسبة معينة من التقديمات التي يحصل عليها، عليه ان يفكر انه إذا لم نقم بذلك، فلن يحصل بعدها على شيء.

كلام الرئيس الحريري معطوفاً عليه تصريحات وزير الخارجية عن خفض رواتب موظفي القطاع العام يشي بدون شك بوجود توجه رسمي نحو المس برواتب القطاع العام، أو نحو تجميد سلسلة الرتب والرواتب التي أقرّت في السابق لأسباب انتخابية ومن دون دراسة واقعية لانعكاساتها السلبية على خزينة الدولة التي ترزح تحت أعباء المديونية المرتفعة والهدر المتمادي للمال العام، وإن كانت أوساط وزير الخارجية الذي اثار رعب اللبنانيين، قد سارعت إلى التوضيح بأن وزير الخارجية لم يقصد جميع موظفي القطاع العام بل قصد فقط أولئك الذين يتقاضون رواتب عالية من خزينة الدولة، من دون ان تتطرق هذه الأوساط إلى أن مزاريب الهدر التي لا تعد ولا تحصى هي التي اوصلت الدولة إلى الحالة التي تحدث عنها رئيس الحكومة، ولا إلى الإجراءات بل الإصلاحات التي قررت الحكومة اتخاذها على وجه السرعة لوقف هذا النزف المالي الخطير بدلاً من ان «تدق» بجيوب اللبنانيين الذين يشكون بأكثريتهم الساحقة من العوز الذي طاول لقمة عيشهم في ظل غياب الدولة عن أي معالجات جذرية للأسباب التي اوصلتهم إلى هذه الحالة الشبيهة بالحالة التي أدّت إلى إفلاس الدولة اليونانية، وفق مقاربة الرئيس الحريري.

كان الحري بالذين دعوا إلى معاقبة اللبنانيين بهذه الطريقة البشعة، ان يبادروا إلى سد مزاريب هدر المال العام، وهي كثيرة ومتعددة الأوجه، بدءاً من الاستيلاء على الأملاك البحرية التي لا تقل ايراداتها السنوية عن 500 مليون دولار كما يقول الخبراء، ومبالغ تسوية المخالفات فيها لا تقل عن مليارين ونصف المليار دولار، فضلاً عن الهدر الكبير في قطاع الكهرباء والذي يتجاوز سنوياً الملياري دولار أميركي وتقليص الفائدة المصرفية والامتناع عن استئجار الأبنية الحكومية في ظل وجود عقارات تابعة للدولة في بيروت يصل عددها إلى نحو 225 عقاراً مبنية وغير مبنية إلى وقف التوظيف العشوائي لغايات انتخابية كما حصل قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، فهل فكرت الحكومة ومن وراءها بكل هذه الإجراءات؟ وبالأحرى هل فكرت جيداً قبل اتخاذ أية إجراءات تمسّ لقمة عيش المواطن بالنتائج التي تترتب عنها والتي قد تولد ثورة عارمة ظهرت تباشيرها في صناديق طرابلس الفارغة رغم كل الاصطفافات السياسية في المدينة لرفع نسبة التصويت في تلك الانتخابات الفرعية؟.