لا، لم تنتهِ الحرب ولم نخرج من تحت شدقيها الموغلين في المجهول بعد. كلّ ما في الأمر أننا خرجنا جميعا، وقفنا أمام المرايا، احتفلنا ورقصنا، ورمينا بالمسؤولية على الآخر، وللمرة الأولى في تاريخنا، أجمعنا وتوافقنا على شيء واحد: "ما قمنا به، لم يكن إلا دفاعاً عن النفس".
 
لم تنتهِ الحرب بعد، وفي 13 نيسان 2019، يخرج واحد مثلي، من الجيل الذي أسموه "جيل ما بعد الحرب" ليقول إنّ كل الكلام المنمق على الوحدة الوطنية، والسلم الأهلي، ولبنان الرسالة، ليس أكثر من ألعاب لغوية تحاول التغطية على الانقسام الكبير، والعنف الأهلي القابع تحت رماد هشّ.
 
كيف لنا أن نتجاوز الحرب أصلاً، وقد جعلناها "شاخصًا زمنيًا"، فكنا "جيل ما بعد الحرب"؟
 
لم تنتهِ، ولم نستطع بعد، نحن "الجيل القادم" أن نرسم خريطة طريق ثقافية، اجتماعية، سياسية وإنسانية للخروج من التعصب، والطائفة والحرب.
لم تنتهِ، ونحن مهجوسون باحتمالها الحاضر أو "المستحضر" دائمًا، خلف كل تفصيل صغير، وعند كلّ مفترق.
 
خياراتنا الاستراتيجية الكبرى كـ"كيان مستقل" رمادية دائماً، ومحاولة تلوينها لاتخاذ موقف ما، أي موقف، قد تؤدي إلى "حرب".
 
محاولة الوصول إلى صيغة مشتركة تلخّص نظرتنا للوطن والكيان والهدف والدور، قد تؤدي إلى "حرب".
 
فتح ملفات الفساد والفساد المضاد، محاربة الفساد والمحاربة المضادة، قد تؤدي إلى "حرب".
 
عزل وزير محسوب على "طائفة" لموظف مارق محسوب على "طائفة" قد يؤدي إلى "حرب".
 
حلقة من برنامج فكاهي و/أو حلقة صاخبة من برنامج توك شو سياسي قد تؤدي إلى "حرب".
 
والحرب ليست مزحة، والناس تخاف الحرب، ما لنا نحن ولشطحات غيوم أبولينير وهو يعلن كالمجنون الوحيد في شوارع باريس: "آه، كم تبدو الحرب جميلة"، فتلك طفرة قلّما تتكرر في قواميس الحب والحرب، ولن تسمعها إلا منه أو من بعض من رفعتهم الحرب من مصاف زعامات المحاور إلى مصاف "القامات الوطنية" التي لا تمسّ.
 
اللبنانيون يعرفون الحرب جيدًا، هم ربما لم يعرفوا أصلا طوال تاريخهم القصير "ككيان سياسي مستقل" إلا الحرب.
 
واللبنانيون كغيرهم من العرب...
 
(آه صحيح، تذكرت، فمعضلة "لبنان العربي" أو "لبنان، ذو الوجه العربي" معضلة قد تؤدي أيضا إلى" حرب").
 
واللبنانيون، كغيرهم من العرب -أو البشر ربما- يطربون لشعر الحماسة وللأغاني الحماسية، وقد ينسيهم إيقاعها الساحر أنفسهم أحيانا، فيغرزون لفرط حماستهم السيوف في أجسادهم، ويزرعون الرماح في عيونهم، وينسون وهُم في تلك الحالة من الهياج كل الكلام الطوباوي عن الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، وقد يتحولون في لحظات من كيان يقف على حافة الهاوية إلى هاوية سحيقة تبتلع القتلى والمفقودين والأرامل والأيتام والضحايا و... الوطن، حتى إذا أفاقوا من سكرتهم الدموية، ولمحوا نظرة الانكسار في عيون الوطن، تحولوا للحظات معدودة إلى توريرو موريرا آخر، وهو يعلن قبل اعتزاله مصارعة الثيران إلى الأبد: "عندما شاهدت البراءة في عيني الثور وسمعت أنينه، شعرت بأنني أكبر حثالة على وجه الأرض".
 
موريرا اعتزل ذلك الرقص الدموي إلى الأبد، فهل فعلها اللبنانيون؟
 
جولة الحماسة المقبلة في منطقة ما زالت ترقص على إيقاع طبول الحرب الدائمة قد تكون جواباً.
 
فلننتظر، ولنرَ.