هل يستعيد دير مار مارون العاصي دوره الديني الذي بدأه منذ 1500 عام، والذي كان منطلقاً للمارونية الى كل لبنان؟ وهل تنشط معه السياحة الدينية على اختلاف مِللها في البقاع، وتوضع خطة وخريطة سياحية للمنطقة تنهض بها، أم يبقى الإهمال يسيطر على هذا المكان وغيره؟
 

في عيد مار مارون هذا العام وعلى بعد 1500 عام ميلادي أطلّت الذكرى حاملةً معاني عدة تضفي على العيد بهجة وفسحة محبة وتلاقٍ. فأقيمت القداديس للمرة الاولى في التاريخ الحديث في «قصر البناة» في الهرمل مرقد رهبان مار مارون، الذين هربوا من اضطهاد بطريرك اليعاقبة ودفع 350 منهم حياتهم ثمناً لعدم الخنوع. ومن هذا الكهف المحفور في الصخر، إنطلقت المارونية الى كل لبنان وأصبح يمثل محجاً دينياً يقصده الزائرون للتبرّك، حيث شهد عذاب النسّاك والرهبان وآلامهم التي قدّموها في سبيل خدمة الناس.

على كتف العاصي في مدينة الهرمل وعلى ارتفاع 1000 متر عن ضفة النهر وفي عام 425 ميلادي، كافأ الملك مورقيان، رهبان مار مارون لمقاومتهم اليعاقبة، فوهبهم «قصر البناة» الصخري ليسكنوا فيه، حيث قاموا بتوسعته وزادوا عليه عدداً كبيراً من الصوامع وحولوه الى دير للصلاة والعبادة وحفروا بئراً في داخله يصل الى مجرى العاصي ليتسنى لهم الحصول على المياه دون الخروج من الدير، مخافة أن يكتشف اليعاقبة الدير ويلاحقوا الرهبان.

وفي العام 517 ميلادي استشهد 350 راهباً من أتباع القديس مار مارون على يد لساويروس بطريرك اليعاقبة، وذلك أثناء توجّههم من مغارة الراهب ( قصر البناة) الى كنيسة القديس سمعان العمودي في جبل بركات شمال حلب، حيث أصبح 31 تموز من كل عام مناسبة لإحياء ذكرى الإستشهاد.

اليوم، وبعد 1000 عام على أول قداس في الدير، وبعد ان استعادت مطرانية بعلبك للرهبنة المارونية المغارة، وبعد سنوات على الإهمال الذي عاناه الدير، حيث كان زريبة للمواشي، وحال الطريق المؤدية إليه غير مؤهّلة، يُنتظر اليوم من مطرانية بعلبك ودير الأحمر للموارنة، أن تقوم بالدور المطلوب منها في تفعيل هذا الصرح ووضعه على خارطة السياحة الدينية للمنطقة، كذلك دور المديرية العامة للآثار، لأنّ عجائب الدير وصخوره المنحوتة، وأقنية جرّ مياه العاصي إلى داخله تكاد تكون من العجائب ولغزاً لا يُحل.

راعي أبرشية بعلبك ودير الأحمر للموارنة المطران حنا رحمة، وفي حديث لـ «الجمهورية» يقول: «إنّ الدير موجود من أيام الفينيقيين، حيث كانوا يعبدون آلهة الخصب على منابع الأنهار، كما يوجد في أفقا واليمونة. والعبادة عند الفينيقيين كان للموارنة دورٌ كبير في تحويلها من عبادة آلهة الخصب إلى عبادة الإله الحقيقي خالق السموات والأرض وهو الله. المسيحية أخذت من المسيح فكرة أنّ الله هو نبع الحياة، وهو الذي يعطي الحياة والمياه وخالق ما عليها. وبهذه الفكرة أقنعوا الفينيقيين الذين كانوا يعبدون المياه، وحيث تخرج تكون الحياة حين جاء تلامذة مار مارون إلى منطقة العاصي».

ويضيف المطران رحمة: «بعد نجاح تلامذة مار مارون برسالتهم على نهر العاصي، نجحوا على أنهار اليمونة وأفقا وقاديشا، لذلك الموارنة عند إنتشارهم في لبنان بدأوا من تلك الأماكن، وهذا النجاح حتّم عليهم تغيير الديانة الفينيقية كاملةً بعد أن صمدت أمام الديانة المسيحية حوالى 400 سنة حتى آمنوا بعبادة الله».

ويلفت الى، «أنّ الدير كان ملكاً للرهبان العباد على العاصي، ثم ملكاً للرهبنة المارونية لمدة طويلة. وخلال تلك المرحلة أقيمت دعاوى على ملكية العقار الذي يقع عليه الدير، وربح الدعوى في حينه آل دندش، وفي ما بعد إشتراه أسد الأشقر وأولاده، ثم استملكت الدولة اللبنانية العقار، ليعود بعدها إلى ملك أبرشية بعلبك دير الأحمر للموارنة بمساحة 8432 متراً، بعد أن استملكت الأراضي التي تحيط به. ومنذ سنة تقام فيه القداديس كل يوم أحد بعد اتفاق بين الرهبانية المارونية والأبرشية ليُعاد إليه تاريخه وهويته ودوره».

وينشد المطران رحمة التعاون بين كل القيمين لترميم هذا الدير بما فيها مديرية الآثار لأنه مكان أثري، وتكمن أهميته، بحسب رحمة، في السياحة الدينية. مخاطباً كل الموارنة في العالم لزيارته، كونه المكان الأول لانطلاق الموارنة في لبنان.

وأضاف، أنّ الدير مرّ بمراحل إهمال كبيرة، لكن دوره في المنطقة مهم يوازي دور سيدة بشوات وسيدة رأس بعلبك، ويعود بالخير على كل الناس، والسياحة على نهر العاصي ستكتمل هويتها برجوع الدير إلى دوره ورسالته.