لم يكن ناقصاً سوى إعلان الإثنين الثامن من نيسان 2019 «يوماً وطنياً عظيماً» لمناسبة إقرار خطة الكهرباء. فيما الحقيقة تقول إنها خطة بديهية وليست معجزة. فهي تُختَصر بزيادة الإنتاج ورفع التعرفة وقمع المخالفات ووقف الهدر، وكل ما عدا ذلك «صفّ حكي» و«شعارات رنّانة». وعلى رغم ذلك وجد الساعون اليه حاجةً الى التوافق السياسي لخرق الدستور مرة أخرى؟ كيف ولماذا؟
 

يعتقد البعض أنّ الإحتفالات وما رافقها من ادّعاءات بإنجازات لم يسبقهم اليها أحد عند البتّ بخطة الكهرباء في الجلسة الإستثنائية انها كافية لإقرارها. لكن لم يلحظ هؤلاء الحاجة الى بعض الإجراءات الدستورية والتشريعيىة التي تشكل مفاتيح للبوابات الإجبارية الى المراحل والإجراءات التنفيذية التي تحتاجها الخطة.

وقبل بلوغ هذه المراحل لا بد من إلقاء الضوء على بعض الجوانب الدستورية التي تتحدث صراحة عن اجراءات تتجاهل ما يقول به الدستور، وهو ما سعى اليه التوافق السياسي الذي تمّ التوصل إليه والذي لن يكتمل ما لم يبتّ المجلس النيابي بالتعديلات المقترحة على مشروع القانون المعجل الرقم 288/2014 المقدّم لمجلس النواب والذي أحاله رئيس المجلس إلى لجنة الأشغال العامة والطاقة بعد 48 ساعة على إقراره في مجلس الوزراء الاثنين الماضي، تمهيداً لإحالته إلى الهيئة العامة للمجلس للبتّ بالصيغة النهائية في الجلسة التشريعية الأربعاء المقبل.

وعليه، توقّف خبراءُ دستوريون امام المخالفات المرتكبة في بعض ما هو مقترح في شأن تعديل هذا القانون (288) في إشارة واضحة الى معادلة لم تعد استثنائية بمقدار ما باتت دورية، ترجمها التوافق السياسي لوقف العمل ببعض المواد الدستورية وتجميدها لسنوات إضافية.

علماً أنّ التعديل المقترح يلغي العمل بمجموعة من الإجراءات التي التزمت الحكومة بها، وخصوصاً لجهة تعطيل أدوات المراقبة والمحاسبة، كذلك بالنسبة الى تأجيل البتّ بالهيئة الناظمة للقطاع الى اجل غير محدَّد في ظلّ فقدان مجلس إدارة كامل المواصفات لمؤسسة كهرباء لبنان.

وقال الخبراء إنّ مشروع القانون المعجّل ينطوي على خرق للمادة 89 من الدستور بـ«إعطاء إجازة لوزارة محدَّدة بمنح التزامات لمدة غير معروفة». فيما مقتضى هذا النص الدستوري أن «يوافق مجلس النواب على كل إلتزام بمفرده مع معرفة مدته وموضوعه وشروطه لكي يتمكن من ممارسة رقابته البرلمانية».

مع الإشارة الى «أنّ التفويض، ولو أعطي للسلطة التنفيذية وليس لوزارة او إثنتين، ولم يكن محدداً بالمدة والموضوع والشروط يُعتبر في فقه القانون الدستوري إخلالاً بمبدأ توازن السلطات الدستورية ويكون عرضة للإبطال في المجلس الدستوري» إن وُجد مَن يراجع امامه.

فالمادة 89 من الدستور تنصّ حرفياً: «لا يجوز منح أيّ التزام أو امتياز لاستغلال مورد من موارد ثروة البلد الطبيعية أو مصلحة ذات منفعة عامة أو أيّ احتكار إلّا بموجب قانون والى زمن محدود».

كذلك ينطوي المشروع على «صيغة ملتبسة في موضوع دفتر الشروط قد يساء تفسيرها لتقليص مهمة التدقيق الشاملة لملف الصفقة في كل النواحي الإدارية والفنية والمالية».

وهو ما يستدعي إضافة عبارة «مع التأكيد على التدقيق الشامل الذي تجريه إدارة المناقصات وفقا لأحكام المادة 17 من المرسوم التنظيمي الرقم 2866/59» وذلك إلى الفقرة «أ» من المادة الثانية».

ويقول الخبراء: «يبدأ هذا المشروع في الفقرة «ب» من المادة الثانية باستثناء عقود الـ (BOT) من أحكام قانون المحاسبة العمومية والنصوص ذات الصلة فيما لا يتفق مع طبيعة هذه العقود. فمن المؤكد أنّ البدءَ بالقاعدة أي خضوع هذه الصفقات للقواعد الإجرائية المنصوص عليها في قانون المحاسبة العمومية في مرحلة التلزيم ثمّ ذكر الاستثناء في حال وُجد ما يبرّرُه.

وعند الدخول في عملية تحليل للمخالفات المرتكبة في كل مادة من مواد القانون 288 يقول الخبراء إن المادة الأولى نصت على أن «يمدد العمل بأحكام القانون الرقم 288/2014 تاريخ 30/4/2014 لمدة ثلاث سنوات» وهو ما يعني «تغيب الهيئة الناظمة لمدة لا تقل عن 3 سنوات ليحل محلها مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزيرَي الطاقة والمال».

وتقول المادة الثانية من القانون المقترَح بفقرتيها «أ» و «ب» أن تُلزّم مشاريع بناء معامل تعتمد طريقة التصميم والتمويل والإنتاج والتشغيل والتسليم إلى الدولة اللبنانية بعد فترة زمنية، بشروط تحدَّد تفاصيلها الإدارية والتقنية والمالية الكاملة في دفتر شروط خاص تُعدّه وزارة الطاقة والمياه. ويُستثنى في مراحل إتمام المناقصات تطبيق أحكام قانون المحاسبة العمومية وسائر النصوص ذات الصلة بأصول التلزيم التي لا تتفق مع طبيعة التلزيم والعقود موضوعها.

وفي تعليقهم على مضمون هذه المادة يقول الخبراء «يخشى أن تكون هذه المادة أداةً لضرب صلاحيات التدقيق الواسعة المعطاة بمقتضى المادة 17 من المرسوم التنظيمي 2866/59 المحال إليه بموجب قانون المحاسبة العمومية، والتي تولي الإدارة التدقيق الشامل في دفتر الشروط الخاص من النواحي الإدارية والمالية والفنّية للتأكد من انطباقه على أحكام القوانين والأنظمة واحترامه لمبادئ العلنية والمساواة والشفافية».

علماً «أنّ حرية المنافسة ناتجة عن مبادئ المبادرة الفردية وحرية التجارة والصناعة المكرّسة في الدستور وأيّ قانون يتعارض معها سيكون عرضة للإبطال».

ولذلك فإنّ من «شأن هذه المادة في حال اعتُمدت بالصيغة الواردة فيها استثناء صفقات الـ (BOT) من الأحكام الإجرائية المنصوص عليها في قانون المحاسبة العمومية، وهذا المسار يتعارض مع كل التشريعات التي تنظّم الصفقات العمومية في الدول العربية والأوروبية والاتحاد الأوروبي التي تخطت مفهوم الصفقات العمومية إلى مفهوم الطلب العمومي، لإخضاع كل العقود العامة الإدارية للإجراءات المطبقة على الصفقات العمومية حفاظاً على المال العام وخصوصاً لجهة المنافسة والشفافية والعلنية وتكافؤ الفرص.

وسأل الخبراء: «لماذا هذه الصياغة المعكوسة أي الاستثناء ثمّ القاعدة؟ ولماذا لا نبدأ بالقاعدة بالنص على أنّ هذه العقود تخضع لآليات إجراء الصفقات المنصوص عنها في قانون المحاسبة العمومية، ثم نذكر الاستثناء إن وُجد ما يبرّرُه».

وعلى رغم من هذه القراءة الدستورية التي فنّدت المخالفات، ثمّة مَن يعترف أنّ ما يجري اليوم ليس جديداً، فلولا اللجوء الى هذه الإجراءات لما أُنجزت الشبكة الخلوية في لبنان ولما تمّ تلزيمُ المشاريع الخاصة بالمعاينة الميكانيكية الإلزامية وهو ما يؤدّي الى أنّ خرق الدستور ليس جديداً فهو آلية معتمَدة منذ سنوات ومتى حضر التوافقُ السياسي وُضع الدستور على الرف.