اتفاق اعضاء لجنة الكهرباء من الوزراء ارتبط باقرار اصلاحات كانت ترفضها الوزيرة وأكد لها اعضاء في اللجنة ان مشروعها لن يمر بصيغته المطروحة وان زمن استقلال وزراء الطاقة في صياغة شروط العطاءات والتعاقد مع البواخر وممثليها قد ولّى الى غير رجعة.

ان أهم ما حدث ان مناصري استقلال قرارات الوزير في شؤون الطاقة قد أدركوا ان التصويت على الخطة المختصرة للوزيرة كان سيؤدي في مجلس الوزراء الى رفض مشروعها. فالوزراء الذين يمثلون “القوات اللبنانية” والحزب التقدمي الاشتراكي وكتلة الرئيس نبيه بري و”حزب الله” – ومن هؤلاء محمد فنيش الذي تولى الوزارة بنجاح قبل ان يتولاها ممثلو “التيار الوطني الحر” – كانوا سيرفضون المشروع، يضاف اليهم الوزير المستقل عادل افيوني.

اذا شئنا تفحص حظوظ ما يسمى خطة الكهرباء – الثالثة بعد الخطتين اللتين سبقتاها من غير أن تنفذا – من المفيد قراءة مقال فرج عبجي المنشور في صفحة المحليات في “النهار” في تاريخ 10 نيسان الجاري، وهو يبيّن أسباب التشكيك في نجاح الخطة بعد فشل اقرار خطة 2010 وتنفيذها، ويشمل فشلها عقد انشاء محطة ثانية في دير عمار انجز عام 2013 من غير ان ينفذ ومن الممكن ان يرتب على لبنان تعويضاً قيمته 200 مليون دولار لعدم تقيد الوزارة بشروط العقد. ويبدو ان اهدار 200 مليون دولار أمر بسيط في وزارة الطاقة، فكان هنالك اقتراح بتخصيص 200 مليون دولار لشراء أراض في سلعاتا لانشاء محطة جديدة، علمًا بأن الاراضي التي اشترتها مصلحة الكهرباء في سلعاتا لم تكلف 1/10 من السعر المقترح حاليًا، وقد أسقط هذا الاحتمال.

وتفحص خلفية تأليف لجنة تقويم خطوات تصحيح أوضاع الكهرباء تبعث على التعجب، لماذا لم تشمل اللجنة الوزير منصور بطيش فهو من أميز مناصري “التيار الوطني الحر” وصاحب خبرة مالية كبيرة.

منصور بطيش وضع دراسة مفصلة عن الكهرباء ومشاكلها عنوانها “الكهرباء في لبنان – انعكاسات سلبية على الاقتصاد” نشرها عام 2014، وندرج مقطعين منها.

يبين كاتب الدراسة ان تحويلات مصرف لبنان لتغطية عجز مؤسسة كهرباء لبنان عن الاعوام 2008-2014 بلغت اثني عشر مليارًا وثلاثمائة واثنين وثلاثين دولارًا.

ويؤكد ان تحويلات مصرف لبنان لتغطية عجز الكهرباء (شراء المحروقات أصلاً) تسببت بخسارة للدخل القومي بلغت 4.5% سنويًا وعند اضافة عبء الفوائد تصبح الخسارة 7.5% سنويًا. وهو يقدر ان استهلاك الكهرباء يستوجب جهوزية معامل الانتاج على مستوى 3180 ميغاوات عام 2018 وزيادتها الى 3700 ميغاوات في 2020. ويعتبر ان ما يجب تأمينه لتغطية انخفاض طاقة الانتاج عن مستواها النظري هو انتاج 400 ميغاوات بوسائل انتاج الطاقة المتجددة، أي الهواء ومزارع الالواح الزجاجية التي تحفظ الطاقة.

لقد أبعد أهم خبراء الاقتصاد والطاقة عن لجنة دراسة شؤون الكهرباء لان الهدر الذي تبينه الدراسة بين 2008 و2014 كان في اشراف وزراء حزبه أو الفريق الذي ينتمي اليه، وكان من الواجب ابعاده عن ابداء وجهة نظره في اللجنة، فتوجه الى تحميل مصرف لبنان مسؤولية لا تعنيه وكان ذلك على رغم انجازه تقريراً واسعاً عن الهدر المالي للوزراء.

الواقع ان الوزراء القادرين على ابداء آراء واقعية وتقدمية كانوا كثيرين ومنهم: نائب رئيس الوزراء غسان حاصباني، المحامي الالمعي كميل ابو سليمان، الوزير محمد فنيش والوزير عادل افيوني.

أوردت الصحف بعد الاجتماع الاول ان النقاش احتدم حول احالة المناقصات على دائرة المناقصات وابعادها عن الوزراء، كما وجوب تشكيل الهيئة الناظمة. وقالت إحدى الصحف إن الوزير أبو سليمان اعتذر من الوزيرة، والواقع انه لم يعتذر من الوزيرة التي تحمل شهادة ماجستير في ادارة الاعمال من كلية محترمة في باريس، لكن خبرتها لا تطاول خبرة الوزير أبو سليمان وتميزه دوليًا في مجالات قوانين تمكن من تمويل المشاريع المشتركة واقراض الدول. والوزير فنيش الذي هو واضع قانون الكهرباء الذي يسمى قانون 2010 والذي كان انجزه قبل تولي الوزير طابوريان نيابة عن “التيار الوطني الحر” الوزارة عام 2008. والكل يعلم ان البنك الدولي لن يوفر 3.6 مليارات دولار للبنان ضمن مقررات “سيدر” الا اذا خضعت قرارات وزراء الطاقة لتوصياته منذ عام 1996.

دعونا نتجاوز القيل والقال. الوزراء والنواب والمعنيون بالشأن العام يعلمون جيدًا ان وزراء الطاقة ساهموا في تأخير اطلاق مشاريع الطاقة البديلة وغير الملوثة، مثل طاقة اكتناز الواح الزجاج والطاقة الناتجة من المرواح الضخمة، وهنالك مشاريع منذ ثلاث سنوات للطاقة الهوائية ويمكن الاتفاق بين مصرف لبنان والصينيين على تجهيز حقل واسع من أراضٍ واقعة في البقاع مناسبة لانتاج 400-500 ميغاوات بدل السفن وحتى انجاز معامل جديدة ما لم تكن موصولة بالغاز، ويمكن تحقيق ذلك مع توافر بواخر تحمل الغاز المسيل وتحوله الى غاز طبيعي يمكن ان تنجز محطات لها على مقربة من معامل الانتاج.

ان مراجعة الطاقة المتوافرة من المعامل القائمة والتي لا تشمل السفن التركية، تبين ان معملي البداوي والزهراني اللذين انجزا عام 1998 حينما وفر رفيق الحريري النور لجميع اللبنانيين، تعملان باعلى معدلات التشغيل، أي نحو 65 في المئة من الطاقة النظرية، في حين أن المعملين الاقدم واللذين لم تنجز اعمال تحديثهما، لا يحققان كفاية انتاجية قياسًا بطاقاتهما النظرية بأكثر من 35 في المئة.

اخيرًا نلفت انتباه الوزيرة الى ان زحلة وجوارها تمتعا بالكهرباء 24/24 منذ ثلاث سنوات ولا يزالان، على رغم ان الوزير السابق كان قد اعلن ان مصلحة الكهرباء ستتولى هذا الدور من تاريخ 1/1/2019 ولم تفعل.

نرجو لجنة الكهرباء الالتفات الى امكان توفير خدمات كالتي تتوافر في زحلة لطرابلس، وجبيل، وصور وربما النبطية، وتشغيل معملي بعلبك وصور بطاقتهما المشتركة أي 140 ميغاوات. الممكن والسهل انجازه دائمًا غائب عن اهتمام وزارة الطاقة.