- ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي باتباع الأسلوب الذي واجه به الإمام زين العابدين من أساء إليه، حيث تذكر سيرته أن رجلا جاء إليه وراح يشتمه على مرأى من أصحابه وأهل بيته. لم يكلمه الإمام ولم يدع أحدا يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: "لقد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا مني ردي عليه"، قالوا له: "نفعل، ولقد كنا نحب أن نقول له ونرد عليه"، فمشى الإمام، وفي الطريق راح يردد: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"، فلما وصل إلى بيته، خرج الرجل متوثبا للشر.. فقال له الإمام: "هون عليك ما نريد بك شرا، ولكن يا أخي إنك كنت قد وقفت علي آنفا فقلت وقلت، فإن كنت قلت ما في فأستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس في، فغفر الله لك"، فانكب الرجل على يدي الإمام يقبلهما، وتحول من أعدى أعدائه إلى أقرب الناس إليه".

وقال: "إننا أحوج ما نكون إلى هذا السلوك الذي نكسب به قلوب الناس، ونحول من يكنون لنا العداوة بفعل ما قيل لهم عنا، أو ما توهموه منا، إلى أصدقاء، بدلا من أسلوب الانفعاليين الذين يتحركون بوحي ردود الفعل أو من يبادلون السيئة بأقسى منها، وهو ما لم ينتج لنا إلا التوترات والتشنجات. وبذلك نكون أقوياء، فالقوي هو من يملك غضبه وانفعاله، ويحول أعداءه إلى أصدقاء، وبذلك نواجه التحديات".

أضاف: "البداية من لبنان، حيث تواصل القوى السياسية العمل لمعالجة الأوضاع المالية والاقتصادية الصعبة والمتفاقمة، بعد التحذيرات الدولية والداخلية من مغبة عدم الإسراع في تحقيق الإصلاحات التي تحول دون سقوط البلد في هاوية الانهيار. ونحن في ضوء ما نشهده، نرى في الإجماع الرسمي والسياسي على مواجهة المخاطر المالية، والجدية في التحرك لمعالجتها، بداية للتأسيس لمقاربة حقيقية في معالجة هذه الأزمات، والتي تتمثل في إقرار خطة الكهرباء، التي نأمل أن تتتابع الخطوات لتنفيذها، وبالشفافية المطلوبة، حتى لا تتكرر التجارب السابقة".

وتابع: "وهنا لا بد من أن نسجل موقفا إيجابيا من إعادة الاعتبار إلى القانون، والعودة لاعتماد دائرة المناقصات، ليكون لها الدور الأساسي في معالجة هذا الملف، بعيدا من التدخلات السياسية والحسابات الخاصة لهذا الفريق وذاك، وأن يكون ذلك بداية لمرحلة جديدة يكون القانون هو الحاكم فيها، لا المحاصصات أو الالتزام بالتراضي".

وقال: "في إطار السعي لإقرار الموازنة وخفض العجز، وفي ظل الحديث عن قرارات صعبة تمس المواطنين لمعالجة عجز الموازنة، فإننا ندعو إلى عدم استسهال الحلول التي تمس حاجات المواطنين الأساسية، أو تلقي ثقلا إضافيا على كاهلهم، أو تأخذ منهم مكتسبات حصلوا عليها، مما يجري الحديث حوله، من خلال خفض رواتب موظفي القطاع العام، ورفع القيمة على الضريبة المضافة وتعرفة الكهرباء والخليوي والبنزين، مما لا طاقة لهم على حمله، بعد أن بلغ السيل الزبى لديهم. إننا ندعو الدولة إلى معالجة العجز، لا من جيوب المواطنين، بل بسد مزاريب الهدر والفساد وحسن استثمار المرافق التي تدر أموالا على الدولة".

أضاف: إننا لا نزال نعتقد أن لبنان ليس بلدا فقيرا، ولا يشكو من نقصان سيولة. مشكلته دائما في الهدر والفساد، وعدم احترام المال العام، وعدم وجود رقابة حقيقية، فالذين يراقبون هم من يهدرون ويفسدون أو يغطون الهدر والفساد".

وتابع: "وبالانتقال إلى ملف القضاء المفتوح، فإننا ندعو إلى الإسراع في حماية القضاء وتحصينه وإزالة الشوائب التي تعتريه، بعيدا عن المزايدات والمناكفات والحساسيات والحسابات الخاصة لهذا الفريق أو ذاك، فلا يجوز أن يفتح ملف هنا للرد على فتح ملف هناك، وأن تنطلق الخلافات ذات الطابع السياسي، لتبدأ بعدها المعالجات الجانبية التي تقود إلى تجميد المحاسبات، من خلال التسويات التي عادة ما تنشأ بين القوى السياسية، لأن دولة بلا قضاء هي دولة مشرعة على رياح الفوضى والفساد بكل أنواعه".

واعتبر أنه "ضمن هذه الأجواء، يبدو أن هناك أكثر من تحرك دولي لإيجاد تسوية في ملف الحدود البحرية والبرية. وهنا نشدد على ضرورة أن يصدر موقف لبناني موحد في مواجهة هذا الاستحقاق، ولحماية حق لبنان في أرضه وثرواته، ونحن نرى أن لبنان، بوحدته وعناصر القوة فيه، قادر على نيل حقوقه كاملة في هذا المجال، ما يتطلب عدم إظهار أي شعور بالضعف أو أي مؤشر لانقسام داخلي، لأنه سوف يفتح شهية العدو على رفع درجة أطماعه، وإبقاء احتلاله لأراض لبنانية في شبعا وكفرشوبا والغجر، ولا سيما بعد القرار الأميركي بضم الجولان إلى إسرائيل".

وقال: "بالانتقال إلى نتائج الانتخابات داخل كيان العدو، لا بد من التنبه إلى المشاريع القادمة لحكومة العدو بعد ارتفاع منسوب التطرف داخل هذا الكيان، وليس بعيدا أن ينفذ نتنياهو وعوده للمجتمع الصهيوني بضم الضفة الغربية إذا فاز في الانتخابات، أو أن يقوم بأعمال عدوانية جديدة على غزة وسوريا ولبنان، ما يتطلب رفع درجة الحذر ومنسوب الجهوزية".

أضاف: " في هذا الوقت، صدرت مواقف عن بعض المسؤولين العرب تدعو إلى طمأنة كيان العدو. ونحن نسأل، وخصوصا في ظل هذا التفتت وهذا الاضطراب والضعف والانقسام الذي يعيشه العالم العربي، والذي تتجلى صوره هذه الأيام في اليمن وليبيا، كما في الجزائر والسودان، وبعد الحروب المدمرة في سوريا والعراق: هل هذا الكيان هو من يحتاج إلى طمأنة وهو المدجج بكل الأسلحة والتغطية أم العرب وما يعصف بهم؟

وأشار الى انه "ونحن أمام سيف العقوبات الأميركية الماثل بقوة في هذه المرحلة على أكثر من صعيد وفي كل اتجاه، فإننا نرى أن هذا الأسلوب لن يؤدي إلا إلى مزيد من تعقيد الأوضاع وتأزيم العلاقات بين الدول، ويفتح الباب لمزيد من الفوضى واللااستقرار في المنطقة والعالم، ويقود إلى تعميق العداء، وقد يوصل بالعالم والمنطقة إلى خيارات لا تخدم أمنه واستقراره".

وختم: "أخيرا، مرت علينا في التاسع من هذا الشهر، ذكرى استشهاد الفقيه والمفكر محمد باقر الصدر وأخته الكاتبة بنت الهدى، والذي كان له الأثر الكبير في المجالين الفقهي والفكري، وفي التصدي للتحديات التي واجهت الإسلام كفكر وعقيدة. إن الوفاء للشهيد الصدر هو أن نستثمر تراثه الفكري وتجاربه الغنية، ونكمل مساره العلمي والاجتهادي والحركي والروحي، ونستلهم نهجه ومساره، لتصويب الوجهة الفكرية والسياسية، والخروج من هذا المأزق الكبير الذي نعيشه كأمة، ويعيشه العراق كشعب ودولة".