ماذا نقول بعد للَّذين حكموا ويحكمون...؟

منـذُ أن كانوا حكموا... في البـدْء كانوا نسْلاً، والنسلْ أصبح سلطة، والسلطة أصبحت سلعة...

منـذُ أن كانوا، خُلعَتْ عليهم العباءات وباسم عباءات المراهقة حكموا... ويحكمون بلداً عمره ستة آلافٍ من السنين...

منـذ أن كانوا حكموا... ومنـذ أن حكموا سرقوا، وما زالوا يحكمون ويسرقون...

سرقوا الصفاء من الفضاء، والنقاء من الهواء، والأزرق من البحر، والأخضر من البرّ... سرقوا النور من الشمس، «وسرقوا النوم من عيون» فيروز، والشدوَ من زغردة البلابل..

سرقوا الدين من الله والدعوة من الأنبياء والشموع من المصلّين...

بالسماء تاجروا، وبالدماء والشهداء وكلّ مكتنزات الوطن، وطرحوا تراثـه التاريخي في المزاد العلني كالآثار المحنّـطة...

ولبنان، ليس صناديق نقد، ولا خزائن دنانيـر، ولا رنيـن ذهب...

إنه رنينُ حضارة في آذان التاريخ، وأبجديةٌ تنكَّبتِ المجذافَ في بحر الظلمات مشعلاً يعمّم النورَ لألاءً على العالمين.

لبنان ليس بنوك مال... هو بنك أدمغة، مورد ثقافة وفكر وعلم وصحافة وأدب وشعر وقامات ومقامات وقـيم...

هو لبنان الرسالة والفرادة والريادة والطليعة في الشرق، وزارع التفوّق والمواهب تحت كلّ الفضاءات الكونية في الدنيا وتحت كل السماوات...

هذا هو لبنان الذي سرقتموه، وصنّفتموه في الدرجة الخامسة والثلاثين بعد المئـة في جدول الأمم المتخلفة ودول الإنحطاط والفساد.

سرقتم لبنان الحرية والسيادة والكيان، فإذا الأرض كالرمال المتحركة، والوطن يطوف على ظهور الإبل، وأنتم تتسلّلون إليه حكاماً من على المعابر الدولية، ومن المسالك الحدودية المخصّصة للتهريب.

أنـتم .. نعم أنـتم.

سمّـوا لنا مرفقاً واحداً، موقعاً واحداً، قطاعاً واحداً، لا يـزال قائماً معافى...

سمّـوا لنا مؤسسة لم تُسرَق، وخزينة لم تُـرهَق، وأموالاً لم تُـهرق، وأرضاً لم تُحرق، ووطناً لم يغرق بالنازحين...

عدّدوا معنا مغانم الإثراء من موارد الأزمة الإقتصادية ومكاسب التلزيمات والمناقصات، والزواريب الجمركية والدوائر العقارية، وتجارة المستشفيات، وكواليس الجامعات، وتزوير الشهادات، وارتكابات القضاة والضباط، وتمويل الجمعيات ومهرجانات الرقص، والناس على دين ملوكهم يرقصون، وملوكهم من أين لهم هذا...؟

رئيس الجمهورية كاد يسمّي، «الذين أنفقوا مبلغ أربعين مليار دولار هدراً على الكهرباء بسبب «الكيد السياسي ...» وهناك مبلغ يضاهيه في مسيرة النهب السياسي والفساد.

وما أدراك ما يخبِّيءُ لنا أصحاب «الكيد السياسي» في السنين الآتية؟ وأصحاب الكيد السياسي، منذ أن كانوا حكموا، وما زالوا يحكمون...

ومنذ أن حكموا سرقوا.. وما زالوا يسرقون...

وكانوا.. وما زالوا، وكنا ولا نزال من زوالٍ الى زوال...

وهؤلاء الذين كانوا ولا يزالون... متى.. متى.. يزولون..؟