هل أفضل من بقاء بشّار الأسد في دمشق لـِ تحقيق هذا الهدف وضمان ألّا تقوم لـِ سوريا قيامة في أيّ يوم من الأيّام
 
أتى سقوط عمر حسن البشير تتويجًا لحراك شعبيّ مستمرّ منذ خمسة أشهر تقريبًا، أيّ منذ بداية كانون الأوّل 2018. بدأ الحراك بمطالب تحملُ طابعًا معيشيًّا، من نوع الإحتجاج على زيادة سعر الخبز وانتهى برفع شعارات تُطالب بإسقاط البشير الموجود في السلطة منذ ثلاثين عامًا.
 
وأجرى موقع "لبنان الجديد"، مُقابلة خاصّة مع الكاتب والمُحلّل السياسي، خيرالله خيرالله، للوقوف عند خلفيّات سقوط البشير، وقال:" في الواقع، إنّ هذا الحراك مستمرّ منذ سنوات عدّة وقد إستطاع البشير القضاء عليه عن طريق القمع كما حدث طوال العام 2018، لكنّ الذي حصل هذه السنة، فإنّ حدّة الإنقسامات داخل النظام زادت وكانت النتيجة إنّ وجد البشير نفسه معزولًا بعدما إستنفد كافّة الأساليب التي كان يعتمدها في الماضي من أجل البقاء في السلطة".
 
وتابع:" كان البشير يظنّ أنّ هناك هامشًا يستطيع التحرّك في إطاره، ومن الواضح أنّ الرئيس السوداني يجهلُ ما يدور على الأرض السودانيّة حيث في أساس الأزمة الحقيقيّة التي يمرّ بها السودان طبيعة الذين يشاركون في التحرّك ضدّ نظامه منذ كانون الأوّل. هؤلاء ينتمون إلى الشباب السوداني الذي لديه تطلّعات مختلفة عن تلك التي لدى البشير وأبناء جيله والمدرسة التي ينتمي إليها".
 
وشرح خيرالله خيرالله:" تقع أعمار هؤلاء الشبان بين 16 و35 عامًا. لا يَدري البشير أنّ عدد هؤلاء 25 مليونًا، أيّ أنّهم يُشكّلون أغلبيّة في السودان الذي يصلُ عدد سكّانه 43 مليونًا. لا وجود لأيّ علاقة بين البشير وهؤلاء الشبّان الذين باتوا على دراية بما يدور في العالم. مثله مثل عبد العزيز بوتفليقة لا يبدو البشير، الذي لا يزال يستطيع خلافًا للرئيس الجزائري المستقيل السير على رجليه، على علمٍ بما يدور في البلد. لم يأخذ علمًا بأنّ المواطن السوداني مثله مثل الجزائري لا يستأهل مثل هذه الإهانة المتمثّلة في وجود بوتفليقة أو البشير في موقع الرئيس. يستأهل الجزائري والسوداني أفضل من ذلك بكثير في بلدين لا ينقصهما الرجال من ذوي الكفاءات. المُضحك – المُبكي أنّ البشير راح، قبل سقوطه، يتحدّث عن الإستعانة بكفاءات تتولّى الوزارات والمواقع المهمّة. غاب عن باله أنّ هذا بمثابة إعتراف منه بأنّه وضع في المواقع الحسّاسة رجالًا لا يتمتّعون بالمؤهلات اللّازمة للنهوض ببلد مليء بالثروات مثل السودان."
 
وتساءل خيرالله:"هل من حاجة إلى ثلاثين عامًا في السلطة كي يكتشف البشير أنّ هناك حاجة إلى كفاءات تُدير بلدًا مثل السودان؟"، مؤكّدًا أنّ هناك "مرّات لا تُحصى التي إستطاع فيها البشير إنقاذ رئاسته، إلّا أنّه لجأ إلى كلّ الألاعيب، بل المناورات التي كانت في متناول يده. الدليل على ذلك، ذهابه إلى النهاية في قضيّة إنفصال الجنوب، خصوصًا عندما إحتاج إلى ورقة الإنفصال، شجَّع عليه وذلك من أجل التغطية على حكم المحكمة الجنائيّة الدوليّة التي قرّرت مُلاحقته بسبب جرائم إرتكبها في دارفور".
 
وأوضح:"باع البشير فرنسا الإرهابي الفنزويلي "كارلوس". وتخلّص منه، عندما تبيّن له أنّ ذلك في مصلحته، من إرهابي آخر إسمه أسامة بن لادن. إنتقل بن لادن من السودان الى أفغانستان التي خطّط منها لـِ "غزوتي نيويورك وواشنطن"، أو ما عُرِفَ حينها بأحداث الحادي عشر من أيلول 2001."
 
وأردف:"لَعِبَ البشير في كلّ الحلبات. كان رجلًا لكلّ الفصول. كان مع إيران في مرحلة مُعيّنة، إذ كان السودان محطة لتهريب أسلحة إيرانيّة إلى غزّة لـِ صالح "حماس". في مرحلة معيّنة، إنفتح على إسرائيل، وقُبيل إندلاع الأحداث الأخيرة في السودان في كانون الأوّل الماضي، زار دمشق ليكون أوّل رئيس عربي يلتقي بشّار الأسد، منذ إندلاع الثورة السوريّة في آذار 2011. ليس معلومًا حتى الآن ما الذي ذهب يفعله في دمشق، لكنّ الأكيد أنّه لم يُدرِك أنّ لا شيء يُمكن أن يُنقذ النظام السوري الذي صار في مزبلة التاريخ منذ فترة طويلة بعد دخوله في حرب مع شعبه".
 
وعن مُشكلة البشير مع شعبه، أجاب خيرالله:" أوّلًا، لو كان لديه أيّ حلّ لأيّ مُشكلة، لما كان حصل إنفصال الجنوب حيثُ أكثريّة مسيحيّة، كان الفشل الأوّل للبشير في عجزه عن تقديم نموذج لدولة عصريّة تسودها ثقافة التسامح، كان همّه في مرحلة معيّنة إيجاد طريقة لإسترضاء إسرائيل التي ساعدها إستقلال جنوب السودان في إيجاد موطئ قدم آخر في القارّة الأفريقيّة".
 
وتابع:"سيكون صعبًا على عمر حسن البشير الخروج سالمًا من الأزمة التي يمرّ فيها السودان وذلك على الرغم من كلّ وسائل القمع التي يمتلكها.، المواطن السوداني مسالم وهادئ ولكنّ عندما يطفح الكيل لديه يُصبح شرساً وعنيدًا".
 
وقال:"ففي العام 1964  طفح الكيل في السودان ونزل الناس إلى الشارع وأسقطوا قائد الإنقلاب العسكري الفريق إبراهيم عبود الذي بقي ست سنوات في السلطة. كان الشعار الذي رفعه المتظاهرون والهتاف الذي إطلقوه وقتذاك: "إلى الثكنات يا حشرات". عاد العسكر بالفعل إلى الثكنات، وتكرّرت تجربة 1964 في 2019، إنّما الفارق أنّ البشير رحل مع إراقة قليل من الدم فقط".
 
أمّا عن الفرق بين الشارع السوري والشارع السوداني، أوضح:" يعود الفارق إلى الإختلاف بين طبيعة النظامين في سوريا والسودان، النظام السوري نظام أقلّوي لديه عصبّيّة وأجهزة أمنيّة تابعة لهذه الأقلّيّة تُدافع عنها. في المقابل، إنّ الخلافات الداخليّة ميّزت نظام البشير منذُ اليوم الأوّل لوصوله إلى السلطة في 1989 بغطاء من الأخوان المُسلمين ومن حسن الترابي بالذات".
 
وأردف في شرحه:"ما هو أهمّ من ذلك كلّه، أنّ سوريا على حدود إسرائيل وأنّ هناك إلتقاء في المصالح بين إيران وروسيا وإسرائيل عند بقاء بشّار الأسد في دمشق أطول مدّة مُمكنة نظرًا إلى أنّ كلّ طرف من هذه الأطراف الثلاثة لديه هدفه الخاصّ من وجود بشّار في دمشق وإن كان هذا الوجود شكليًّا، إيران تودُّ السيطرة على جزء من سوريا، دمشق ومحيطها والحدود مع لبنان تحديدًا، لذلك دعمت النظام بميليشياتها كيّ تتمكّن من تحقيق ما تصبو إليه. أمّا روسيا، التي تبيّن أنّها تنسق في العمق مع إسرائيل، فهي معنيّة بإيجاد موطئ قدم في المنطقة وحماية مصالح خاصّة بها، بينها خطوط أنابيب الغاز التي يُمكن أن تمرّ في الأراضي السوريّة والتي يُمكنُ أن تُشكّل مُنافسًا للغاز الروسي الذي تتزوّد به أوروبا... أمّا إسرائيل، يبقى همّها الأوّل والأخير تفتيت سوريا."
 
وختم خيرالله، المُقابلة بـِ سؤال:"هل أفضل من بقاء بشّار الأسد في دمشق لـِ تحقيق هذا الهدف وضمان ألّا تقوم لـِ سوريا قيامة في أيّ يوم من الأيّام؟!"