بعد إعلان باسيل ووزيرة الطاقة أنهما وراء إنجاز خطة الكهرباء
 

يستغرب قطب سياسي بارز إعلان رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل، ومعه وزيرة الطاقة ندى البستاني، أنهما كانا وراء الإنجاز الذي تَحقّق في مجلس الوزراء بإقرار خطة الكهرباء بعد تأخير استمر منذ عام 2010 أدى إلى تكبيد خزينة الدولة مليارات الدولارات، ويؤكد أن ما صدر عنهما «يأتي في سياق مزايداتهما الشعبوية ولا يمتّ إلى الحقيقة بصلة ويحاولان مصادرة أي إنجاز تحققه الحكومة».

ويسأل القطب السياسي: أيُّ خطة يدّعي باسيل أنه أعدّها عام 2010 يوم تسلّم حقيبة الطاقة، ويقول إن خطته اقتصرت على استئجار البواخر لتأمين تغذية إضافية بالكهرباء لسد العجز عن تأمين هذه التغذية؟

ويكشف كما تبلغ من أكثر من وزير أن البستاني كادت تعود بالنقاش حول خطة الكهرباء إلى المربع الأول لو لم يبادر رئيس الجمهورية ميشال عون إلى التدخّل لضبط إيقاعها، ما اضطرها إلى سحب ما لديها من ملاحظات والسير بالخطة التي أعلنها رئيس الحكومة سعد الحريري في نهاية الجلسة.

ويقول إن تعديلات أُدخلت على الخطة التي أعدتها البستاني وإنها لم تكن تفصيلية كما ادّعت، وإنما جاءت بديلة للأفكار التي طرحتها سواء برفضها إعطاء أي دور لإدارة المناقصات في تلزيم إنشاء معامل جديدة لتوليد الكهرباء، وكذلك في ممانعتها تشكيل الهيئة الناظمة لإدارة قطاع الكهرباء.

ويلفت إلى أن تنويه الحريري بدور البستاني في إقرار الخطة يأتي في سياق مراعاتها، ويقول إن مجلس الوزراء ابتدع صيغة مركّبة تضمن إشراك وزارة الطاقة في إجراء المناقصات لأنه لا يريد الإطاحة كلياً بالخطة، وارتأى أن يقدّم لها جائزة ترضية لأن ما يهمّه إخراجها من التأزّم السياسي.

ويعتبر القطب السياسي أن باسيل والبستاني اضطرا إلى التسليم بدور إدارة المناقصات في ضوء تقديرهما أنهما يفتقران إلى القدرة على إقناع الأكثرية في مجلس الوزراء بتأييد موقفهما. ويؤكد أن اعتراض الأكثرية على طلب باسيل - البستاني بإقصاء إدارة المناقصات عن تلزيم إنشاء معامل جديدة لقي إصراراً من قِبل هؤلاء على حماية الصلاحيات المناطة برئيسها جان العلية الذي ينظر إليه «التيار الوطني» على أنه ليس مطواعاً في التجاوب معهما.

ويتوقف القطب السياسي أمام قول باسيل بأنه وراء الجهود الرامية التي أدت إلى ترشيق الموازنة لخفض العجز في موازنة العام الحالي، ما يؤدي حتماً إلى خفض خدمة الدين، ورأى أن ادعاءات باسيل ليست في محلها، وهذا ما لقي استغراباً من قِبل وزير المال علي حسن خليل.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن كلام باسيل حول الموازنة استدعى مبادرة خليل إلى الاتصال بالحريري الذي شارك القطب السياسي استغرابه.

لكن جميع الذين استغربوا إصرار باسيل على تسجيل الانتصار لنفسه، سواء في خطة الكهرباء أو في مشروع الموازنة الذي سيُدرج قريباً على جدول أعمال مجلس الوزراء، رأوا عدم الدخول معه في سجال يلجأ إلى استخدامه في المزايدات الشعبوية ليوحي لمحازبيه بأنْ لا دور للآخرين في إنجاز إقرار خطة الكهرباء، مع أنه والبستاني خرقا ما اتُّفق عليه في الجلسة بترك مهمة الحديث عن الخطة لرئيس الحكومة وسارعا إلى التباهي بدورهما قبل أن ينتهي الحريري من شرح الخطة في المؤتمر الصحافي الذي عقده في بعبدا فور انتهاء الجلسة.

وهناك من يتّهم باسيل بأنه يعمل على تحقيق اللامركزية الإدارية والمالية التي هي الوجه الآخر للامركزية السياسية المقنّعة. فهؤلاء يقولون إنهم لا يوجّهون إليه تهمة باطلة أو زائفة، وإلاّ لماذا كل الحرص الذي يبديه في إقامة منطقة اقتصادية خاصة في البترون (مسقط رأسه) ولا تبعد عن طرابلس سوى 22 كيلومتراً، وقد اختيرت لإقامة هذه المنطقة فيها، وأيضاً في نقل كلية علوم البحار من عكار إلى البترون وفي الإعداد لتلزيم بلوك - 4 للتنقيب عن النفط والغاز في بلدته أيضاً بذريعة أن البلوكات الأخرى في الشمال في حاجة إلى التفاهم مع سوريا لترسيم الحدود البحرية بين البلدين؟

ناهيك بدعوة باسيل التي أطلقها في المهرجان البلدي الذي نظّمه «التيار الوطني» في بيروت حول تقسيم العاصمة بلدياً وانتخابياً وإدارياً ولا مانع من أن يكون مالياً، تحت ستار الحفاظ على التمايز الذي تتمتع به بعض المناطق عن الأخرى.

كما أن الحملة التي قادها وزير الاقتصاد منصور بطيش (التيار الوطني) ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تأتي في سياق الضغط عليه ليوافق على حصرية باسيل في التعيينات في البنك المركزي وعدم توظيف مسيحيين لا ينتمون إلى تياره السياسي.

فحملة بطيش تتجاوز ما لديه من ملاحظات الإدارة المالية لسلامة في مصرف لبنان، لأن الأجدر به أن يطرحها على مجلس الوزراء بدلاً من تظهيرها إلى العلن في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان على المستويين الاقتصادي والمالي، وهو لا يزال يراهن على مؤتمر «سيدر» لمساعدته للنهوض من أزماته الاقتصادية والاجتماعية.

وهناك من يعزو حملة بطيش إلى أمرين، الأول شخصي يعود إلى عدم تعيينه حاكماً لمصرف لبنان خلفاً لسلامة بسبب وجود معارضة داخلية ودولية لإسناد هذا المنصب إليه، والآخر يتعلق بضرب مصداقيته لدى المجتمع الدولي لقطع الطريق على مستقبله السياسي كمرشّح لرئاسة الجمهورية، وهذا ما يرضي باسيل الذي يحاول استخدام كل مفاصل الدولة لخدمة طموحاته الرئاسية، ويضعها بالتلازم مع قراره في الحفاظ على علاقته بالنظام في سوريا و«حزب الله» الذي يفضّل في معظم الأحيان أن يلوذ بالصمت حيال تصرّفات باسيل في الداخل لأن لديه هموماً تتجاوز الداخل إلى الإقليم.

وإذا كان الرئيس الحريري يتأفف من حين لآخر -ولو ضمناً- من سلوك باسيل في أكثر من ملف، فإنه لا يزال ينأى بنفسه عن الدخول في سجال أو تجاذب سياسي مع أحد، وبالتالي فهو يتصرّف على أنه أمُّ الصبي، ويحصر اهتمامه في تهيئة لبنان للإفادة من «سيدر» باعتباره يشكّل الممر الإلزامي الأخير لإنقاذ البلد.

وفي ضوء ما جرى ويجري أخيراً، هناك من يعتقد أن باسيل في حاجة إلى افتعال قضية ليقدّم نفسه على أنه المنتصر، وتحديداً في الشارع المسيحي، مستفيداً من التزام الجميع بالتهدئة وعدم إقحام البلد في متاهات الاشتباكات السياسية رغبةً منهم في أن تبقى الأولوية لتضافر الجهود لإنقاذ البلد قبل فوات الأوان.