ينحو سلوك حزب الله الداخلي إلى عدم استثارة أي سجال مع أي طرف، أو التورط في مواجهة معه. لا يريد حزب الله الالتهاء بإشكالات جانبية. ولا يريد أن يظهر في موقع الغارق في خلافات سياسية. ويرتبط هذا السلوك، بالتأكيد، بمآل أحوالنا المحلية وامتداداتها الإقليمية. ولا يريد حزب الله توفير أي ظروف أو ذرائع لأي قرار له علاقة بالعقوبات. ولا يريد بالطبع السماح لأي طرف، داخلي أو خارجي، الاستثمار في هذه العقوبات، أو استعمالها في المعارك الداخلية. وبالتالي، ترتسم سياسة حزب الله في سياق تأمين "الجبهة الداخلية" وتحصينها. وهذه، تتطلب أن تكون العلاقة جيدة مع مختلف القوى، وتحاشي أي إشكال جانبي.

الحذر والتوجس 

هناك من يعتبر أن سلوك الحزب "الهادئ"، يأتي كنتيجة للضغوط التي يتعرّض لها، من جراء العقوبات وسياسة شدّ الخناق المتبعة أميركياً. بعض خصوم الحزب ينظرون إلى كيفية تعامله مع التطورات الإقليمية، السورية والإسرائيلية تحديداً، على أنها مؤشر واضح على مدى ترقّب الحزب وحذره من أي تطورات مفاجئة. ويرتبط هذا التوجس والحذر أيضاً بسياسة شد الأحزمة الاضطرارية، وغير المرئية حتى الآن، على الصعيد المالي والاقتصادي والاجتماعي لبيئة الحزب. كما أن الحزب يرفع الغطاء عن أي مرتبط به ومتورط في ملفات فساد. وهذا يوحي أيضاً بتبدّل كبير في السلوك السياسي. وبخلاف ما كان الحال سابقاً، عندما كان الحزب يرفض تماماً التحقيق مع أي مشتبه بالفساد على صلة به، أضحى اليوم التحقيق والتوقيف أمرين متاحين، على الأقل للمقربين من الحزب لا أعضاء الجسم التنظيمي الأساسي في الحزب.  

منذ فترة ليست بالقصيرة، يتعاطى حزب الله بالكثير من الإيجابية تجاه مختلف الأفرقاء في لبنان. وعلى خلاف عادته، لا يتهجم الحزب على خصومه، أو على المحسوبين على الجبهة المعاكسة لسياسته. وهذا مبدأ أساسي في هذه المرحلة، لا سيما في ضوء اهتمام الحزب بالدولة ومؤسساتها، وصونه للتسوية السياسية القائمة. ويتبين ذلك من خلال حرص حزب الله على العلاقة الجيدة مع الحريري، والتنسيق والتواصل الدائم معه. بل ولا تُخفى الآراء الإيجابية من قبل الحزب تجاه الحريري، ولا حتّى (في لحظات معينة) تجاه القوات اللبنانية، خصوصاً أن الحزب يعتقد أنه حقق ما يريده مع هذين الطرفين، وهو تحييد منطق الاشتباك السياسي الدائم، وتحييد مسألة السلاح والمطالبة بنزعه، مقابل التلاقي على نقاط تقنية أخرى. وكان المثال الواضح في الإنسجام حيال خطة الكهرباء.

الخيمة الوطنية

لا يريد حزب الله حدوث أي شرخ سياسي داخلي، فاللحظة الدولية والإقليمية مكرسة لتسليط الضوء عليه وإبقائه تحت المجهر. بمعنى آخر، أي إشكال داخلي بين الحزب وأحد الأفرقاء اللبنانيين، ستتم الإضاءة عليه عالمياً وربما يتم تضخيمه واستغلاله، كمنطلق لاستهداف الحزب بعنوان داخلي. ولذلك، يحرص حزب الله على هذه "الإيجابية" تجاه الجميع.

هذا هو السبب الأساسي الذي دفعه إلى طمس "حملة مكافحة الفساد"، على ذاك النحو الدعائي والإعلامي والإعلاني، الذي عمل الحزب على إشاعته قبل فترة. هذا ليس تفصيلاً عابراً. فقد أدرك الحزب سريعاً، أن فتح أي ملف من ملفات الفساد، وفق ما جرّبه أسلوباً ولغة، سينعكس إشكالاً سياسياً (وطائفياً) مع قوى سياسية أخرى. وهذا بالضبط ما لا يريده الحزب حالياً، كي لا تتعرض "الخيمة الوطنية"، التي يتظلل تحتها، لأي تشلّع وتمزقات قد تتسرّب منها رياح غادرة. فهذا ما ظهر يوم إطلاق حملة مكافحة الفساد، والتي فسّرت بأنها استهداف للرئيس فؤاد السنيورة، واستجرّت حملات مضادة بوجه الحزب، وكادت تؤسس لانقسام سياسي ليس هيناً، فيما الحزب يفضّل أن يبقى بغنى عن هذه الخلافات السياسية.

بانتظار التفاوض

يعتبر البعض أن الحزب يشعر بنوع من التحول والتغيير، على مستوى المنطقة، ما يهدد دوره ووجوده. وهناك من يذهب أبعد من ذلك، ليعتبر أن الحزب غير واثق بأي طرف وحتى بحلفائه، في هذه المرحلة. لكن، بلا شك، الحلقات تبقى متصلة ببعضها البعض. فمثلاً إيران التي تعاني من العقوبات الأميركية، لا تسقط خيار الدخول في مفاوضات مع الأميركيين في وقت لاحق. ولذا تتجنب طهران فتح إشكال مباشر مع الأميركيين. يماثله تكتيك حزب الله في الداخل، الذي يعكس في جوهره انتظار لحظة حصول مفاوضات، وتفضيل ذلك على خيار المواجهة الكبرى أو الواسعة. وبلا شك، هذه المفاوضات - في النهاية - بين إيران والولايات المتحدة، ستكون مرتكزة على مبدأ ترتيب النفوذ. ولذلك لا تريد كسر الجرّة مع الأميركيين للحفاظ على هذا النفوذ. بدوره، حزب الله أيضاً، ووفق حساباته البعيدة ما بعد المفاوضات، يراهن أن يُعترَف به كمسيطر على الوضع اللبناني، بموجب ذلك التوافق.