ما يراه عادل عبدالمهدي استقرارا في وطنه الثاني العراق، يراه عراقيون بالملايين هدوءا إلزاميا مفروضا عليهم بقوة سلاح الميليشيات، وهو الهدوءُ الذي يسبق عاصفةً مؤجلة لم تكتمل ظروف انطلاقها بعد.
 

هل صحيح أن العراق مستقر وأن الفضل في استقراره يعود لأحبتنا الإيرانيين الرحماء اللطفاء الكرماء النجباء؟

فرئيس وزرائه، الصادق الأمين، عادل عبدالمهدي أعلن ذلك، بالفم المليان، في حضرة شقيقه رئيس جمهورية إيران الإسلامية حسن روحاني.

ومن المؤكد أن لا أحد في طول العراق وعرضه، وله عقل وقلب وبصيرة، يمكن أن يوافق على ذلك الإعلان، والسبب أن ما يراه عادل عبدالمهدي وهو في طهران، استقرارا في وطنه الثاني العراق، يراه عراقيون بالملايين هدوءا إلزاميا مفروضا عليهم بقوة سلاح الميليشيات، وهو في حقيقته الهدوءُ الذي يسبق عاصفةً مؤجلة لم تكتمل ظروف انطلاقها بعد، وينتظر الجميع هبوبها المؤجل المحتوم.

فكل الأيدي والخناجر والمعاول والمفخخات التي صنعت الكوارث والمآتم والفقر والجوع والمرض والنهب والسلب والقتل والاغتصاب والتهجير، منذ العام 2003 وحتى اليوم، صناعةٌ وزراعة إيرانية مُتقنة، وفاعلة، ومستمرة في الخدمة، ولكن خلف ستار من الصمت الخانق الذي يشبه الجمر المخبَّأ وراء رماد. فمن مئات السنين، وربما آلافها، وعيونُ إيران الفارسية على العراق، وتسعى لاستعباده وإلحاقه بإمبراطورياتها المتعاقبة الهالكة، تنتصر عليه تارة، وتُطرد منه تاراتٍ أخريات، وهي ذليلة مهانة تاركة خلفها قبور ضباطها وجنودها متناثرة في براري هذا الوطن الصغير.

وبالتدقيق في سلوكها الذي خلده الزمن الطويل يتبين أنها كانت، ولا تزال، على قناعة ثابتة متوارثة بأن عراقا عزيزا مقتدرا موحدا عامرا وقويا بأهله وبأرضه لن يصبح لقمة سائغة يسهل عليها ابتلاعه.

وعليه فقد أصبح أولَ وأهمَّ وأكثر أهدافها إلحاحا وضرورة إضعافُه وتمزيقُ وحدة شعبه، وتخريبُ أنهاره، وإفساد مياهه وهوائه، واستحمارُ من يمكن استحمارُه من أبنائه المخَربين الفاسدين المفسدين، وتسليحُهم وتسليطُهم على الوطن والمواطن، وتركيعُ الكبير قبل الصغير، وذلك لضمان بقائه معوقا لا يستطيع الوقوف على قدميه، وعاجزا عن مقاومة احتلالها والجهاد الحقيقي المقدس من أجل تحرير نفسه وشعبه منها ومن آثار احتلالها الكريه.

ومن واجبنا هنا أن نتساءل، ومن واجب رئيس الوزراء أن يجيب. كيف يتحقق الاستقرار في أي بلد من بلدان الدنيا الواسعة التي تحترم نفسها وأهلها؟ هل يتحقق بالخيال والنفاق والكلم الفاضي أم بالعمل الحي؟

وكيف يتحقق استقرارٌ بدون قضاء عادل ومستقل وشجاع لا يساوم ولا يخاف ولا يستحي؟ وهل يتحقق بحكومةٍ لا تملك زمام أمن وطنها وشعبها، ولا أمن وزرائها ومدرائها وسفرائها، هي، قبل غيرها؟

بصراحة لا يمكن اقتناع أحد من العراقيين بوجود أمن واستقرار في دولته الفاشلة قبل تسريح زرافات الحشد الشعبي ووحدانه، ونزع سلاح ميليشياته المنفلتة التي وصفها مقتدى الصدر بالوقاحة.

فلا أمن ولا استقرار ما دامت هذه الميليشيات تفرض الوصاية الإيرانية على الحكومة والبرلمان، وما دامت سفارة الولي الفقيه تقوم بمهام المندوب السامي الإيراني الحاكم بأمره في العراق.

ألم يخاطب المرشد الأعلى علي خامنئي ضيفَه رئيسَ وزرائنا بلغة الآمر الناهي، ويأمره بإخراج القوات الأميركية بسرعة من العراق؟ وألم يُبلغه بعدم رضاه عن التقارب العراقي السعودي؟ وألم يطلب منه الانخراط في حرب تكسير العظام بين جمهوريته الإسلامية وبين أميركا، حتى وإن لم يكن للعراق ناقة فيها ولا جمل؟

والذي ينبغي أن يعرفه رئيس وزرائنا هو أن أي استقرار لن يتحقق في العراق إلا حين يقرأ المواطن ويسمع ويرى تفاصيل ملفات سرقة المليارات وتحويلها إلى طهران.

وإلا عند فتح ملفات الذين تسببوا وأمروا وسهَّلوا احتلال شراذم الدواعش لنينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وإلا حين ينشر القضاء أسرار كارثة تفجير ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء في فبراير 2006، وإلا بتحقيق حقيقي وجاد وشفاف في جرائم السرقة والاغتصاب والحرق والقتل والطرد التي ارتكبها المجاهدون الحشديون في المدن والقرى التي تم تحريرها من الدواعش.

وإلا بمحاسبة الذي طنش ويطنش عن عشرات العصابات التي مارست بالأمس، وتمارس اليوم، مهنة اختطاف المواطنين، وتطلب فدية مالية مقابل إطلاق سراحهم، والذي تخابر مع حكومات أجنبية وتسلم منها الملايين، علنا، وعلى مرأى ومسمع حكومات حزب الدعوة المتعاقبة وحكومة عادل عبدالمهدي التي أوجعت رؤوسنا بحديثها عن اجتثاث الفساد ومعاقبة المفسدين والعملاء والخونة والخارجين على القانون، والذي زور شهادة ثم تم استيزاره أو تنصيبه نائبا أو قاضيا أو سفيرا أو رئيس جامعة أو مدير بنك أو عضوا في لجنة النزاهة أو هيئة المساءلة والعدالة في البرلمان، والذي استخدم قانون اجتثاث البعث، ثم المساءلة والعدالة، سلاحا لمحاربة معارضيه السياسيين، أو لمعاقبة خصوم ولاية الفقيه، أو وسيلة ارتزاق وابتزاز، والذي جعل مناصب الرئاسة والوزارة والسفارة والمحافظات والزراعة والمياه والتعليم والصناعة والمصارف والصحة والتجارة سلعا تباع وتشترى بالمزايدة السرية والعلنية، بملايين الدولارات؟

وأخيرا وليس آخرا، هل يأمن المواطن اليوم على حياته ورزقه وأسرته من عشرات العصابات المعروفة والمجهولة إذا ما قررت أن تغتال أو تعتقل أو تختطف، وفي وضح النهار، وبملابس رجال أمن الحكومة وجيشها، وبسيارات وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع ومصفحاتها؟

وخلاصة القول، إن من ينكر، جُبنا أو عمالةً، أنَّ لإيران تسعين بالمئة من المسؤولية عن الظلم والاختلاس والإفقار والتجهيل والبطالة ليس بمواطن عراقي شريف.

فما دام الفساد باقيا، والفاسدون والعصابات المسلحة والاحتلال والوصاية والإذلال والتهميش والتمييز بين مواطن وآخر، فلا استقرار ولا أمن ولا سيادة أيها الزعيم الذي لا يملك من الزعامة شروى نقير. فمتى تستقيل؟