في حين بدأ «حزب الله» منذ أشهر ينظم عودة النازحين السوريين الى بلادهم، لا تزال معاناة أهالي القصير الذين هجّرتهم معارك «الحزب» والجيش السوري ترخي بثقلها على لبنان، ويبدو أن لا قرار لمحور «الممانعة» بإعادتهم حالياً الى أرضهم وسط المخاوف من استمرار الفرز الطائفي في سوريا.
 

ربيع عام 2013 كان ساخناً على القصير السوريّة والبلدات المجاورة ذات الغالبية السنّية، حين قرّر الجيش السوري و«حزب الله» السيطرة على تلك المنطقة الإستراتيجية التي تسمح لهم بربط حمص ودمشق، وتعزيز السيطرة على حمص وربط تلك المناطق بالساحل السوري، في وقت إعتبر «حزب الله» أنّ دخوله المعركة واجبٌ لإبعاد خطر مجموعات المعارضة السورية من لبنان عموماً ومن البقاع خصوصاً.

بعد نحو 20 يوماً من القتال نجح الجيش السوري و»الحزب» بالسيطرة على القصير والبلدات المجاورة، غير أنّ تلك السيطرة أدّت الى نزوح ما يقارب الخمسين ألف سوري الى داخل الأراضي اللبنانية هرباً، وإستوطنت غالبيتُهم في عرسال ووادي خالد.

6 سنوات مرّت على تلك المعركة وأهالي القصير ما عادوا الى بلدتهم وأرضهم، وكأنه كتب لهم أن يبقوا مهجّرين، فيما قدر لبنان أن يرزح تحت عبء النزوح الذي لا يرحم.

وادي خالد المنطقة الحدوديّة في عكّار استقبلت النازحين، هذه المنطقة يعاني أهلُها الحرمان، فيما كان التهريب هو المنفذ الوحيد و»الآمن» لتأمين لقمة عيش أهلها.

ويروي الأهالي أنه بعد الأحداث السوريّة، تمّ إغلاق جميع المعابر غير الشرعية، وتوقّفت «مهنة» التهريب، وزرع الجيش السوري الألغام في الممرات، لذلك زاد الخناقُ الإقتصادي من دون تأمين بديل.

وتشير أرقام رسميّة الى أنّ عدد النازحين في وادي خالد بلغ نحو 27 ألف نازح، غالبيتهم الساحقة من بلدة القصير والمحيط، ويعيشون، إمّا في مساكن أو أماكن أمّنها أهل الوادي.

وما زاد «الطين بلّة»، أنه فوق إهمال الدولة أتى ملفُّ النزوح السوري، وباتت المنطقة تعاني من دون إيجاد موارد وحلول.

وفي السياق، يؤكّد رئيس بلدية وادي خالد السابق وعضو البلدية الحالي فادي الأسعد لـ«الجمهورية» أنه «يتوجّب على الدولة التطلّع الى هذه المنطقة الحدودية».

ويلفت الى أنّ «النازحين هم من القصير ويوازي عددهم 27 ألف نازح بينما يبلغ عدد سكان وادي خالد نحو 34 ألف نسمة، والمفارقة أنّ أعداد السوريين المتواجدين في البلدة أكثر من اللبنانيين، لأنّ قسماً كبيراً من أبناء الوادي يعمل في طرابلس أو بيروت».

ويشدّد على أنه بعد معركة «حزب الله» والجيش السوري في القصير، نزح السوريون الى منطقتنا، وحتى الآن «لا توجد أيُّ مبادرة من أحد لإعادتهم، فيما المسألة تحتاج الى حلّ جذري»، موضحاً أنّ مساعدات الأمم المتحدة قد انخفضت بشكل كبير جداً، فسابقاً كانت هناك جمعيات دولية تساعد النازحين والمجتمعات المضيفة، وقد وصل دعم UNDP في مراحل سابقة الى 8.5 ملايين دولار، إلى أنّ تراجعت حالياً بشكل كبير جداً.

ويؤكّد عدد من أهالي القصير وفعالياتها أنه لا يمكنهم العودة لحضور «حزب الله» في بلدتهم، والجيش السوري، ويستطيع «الحزب» حلَّ هذه القضية إذا أراد وإعادتنا الى بيوتنا، لكن لا يبدو أنّ لديه نيّة في ذلك لأسباب ربّما طائفية.

بلدة أخرى أصابها عبءُ النزوح السوري، إضافةً الى تداعيات معركة القصير، هي عرسال البقاعيّة حيث حكايتُها مع الحرب السورية والنزوح ملخّص للواقع اللبناني الحالي.

وتؤكّد الأرقام وجود ما بين 20 و25 ألف نازح سوري في البلدة من القصير والبلدات المجاورة، وما ينطبق على وادي خالد من حيث عودة أهالي هذه المنطقة ينطبق أيضاً على عرسال، إذ يخشون من العودة في ظلّ تواجد «حزب الله» فيها.

ويشير رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لـ«الجمهورية» الى أنّ «عدد النازحين في عرسال يقارب الستين ألف نازح، وثلثهم تقريباً من القصير وجوارها، وهؤلاء يحتاجون الى حلّ سياسي أو تسوية كبرى لعودتهم».

وإذا كان العراسلة يعتبرون أنّ «حزب الله» مسؤول مباشر عن تواجد هذه الأعداد من النازحين في بلدتهم، ومنعِهم من العودة الى قراهم بسبب مصادرتها وإحتلالها، فإنّ رحلات العودة أو التسجيل في الأمن العام ما تزال خجولة مقارنةً بالعدد الهائل للنازحين.

ويشدّد الحجيري على أنّه، وعلى رغم ضخامة الملف، لا توجد بوادرُ حلّ قريب، نافياً في الوقت عينه محاولة بعض النازحين إقامة مخيمات باطون تحت ستار الخيَم المنصوبة في البلدة.

لكنه يوضح أنّ العامل السوري أخذ مكان العامل العرسالي ونافسه ما فاقم معاناة العراسلة، في غياب تام لتقديمات من الأمم المتحدة الى أهالي عرسال، وقد دفعنا وبلدتنا الفاتورة الأثمن جرّاء أزمة النزوح.

وفي استعراض لواقع عرسال ووادي خالد، يظهر أنّ «حزب الله» قادرٌ على حلّ جزء من أزمة النزوح خصوصاً أنّ نحو 50 ألف نازح قادر على إعادتهم «بضربة» واحدة الى القصير ومحيطها إذا إنسحب منها وأبرم تسوية مطمئنة للجميع، وهذا الأمر يساوي كل الحراك الذي أطلقه منذ أشهر لإعادة مئات النازحين من هنا وهناك.

«الحزب» و«النظام»

لكنّ بعض المتابعين لملفّ النزوح يؤكّد أنّ «حزب الله» ومعه النظام السوري قد يسمحان بعودة جميع النازحين، حتى المرتكبين منهم، إلّا أهالي القصير، وذلك إستكمالاً لمخطّط الفرز الديموغرافي الذي يحصل في سوريا، وعمليات «الترانسفير»، ما يدعو الى القلق من أنّ ملف النزوح، وإنّ حُلّ، ستبقى منه أجزاءُ عصيّة على الحلّ، ولبنان سيدفع الثمن طبعاً.

في المقابل، توضح مصادر مطّلعة على ملف القصير أنّ «الحزب» لا يمنع أحداً من العودة، لكنه نصح بتأجيلها إلى حين ترتيب الأرضية اللازمة لإنجازها، في اعتبار أنّ وضع القصير حساس جداً.

وتشير المصادر إلى أنّ «حزب الله» يعمل مع الدولة السورية ومع العائلات والعشائر في القصير لإجراء المصالحات، التي من شأنها أن تمهّد للعودة الآمنة.