بعد حوالي الأسبوع ستجرى انتخابات نيابية فرعية في مدينة طرابلس، شمال لبنان، بعد أن قبل الطعن بنيابة ديما الجمالي فأبطلت نيابتها. أبطلها المجلس الدستوري، الذي أنشئ عام 1994، وأنيطت به الرقابة على دستورية القوانين والطعون الانتخابية وبت النزاعات الناشئة عن الانتخابات.

هذا مع العلم ان هذه الانتخابات أثارت أكثف مقاطعة من الناخبين منذ خروج الجيش السوري من لبنان (بلغت أكثر من 51 في المئة) وأكبر عدد من الاعتراضات وتبادل التهم بالفساد والرشوة والتزوير بشكل غير مسبوق. كما اعتبر قانون الانتخاب أسوأ قانون مرّ على الجمهورية ومخالف للدستور.

مع ذلك لم يجد المجلس الدستوري سوى النائبة عن كتلة المستقبل كي يبطل نيابتها، من بين 17 طعنا قدمت له.

رأى البعض في ذلك كيدية سياسية من الأطراف التي قد تكون مارست الضغوط على الأعضاء من أجل المزيد من إضعاف الحريري وتيار المستقبل والطائفة السنية.

لم تعتمد معايير موحدة في تقسيم الدوائر الانتخابية في لبنان

وفي كل الأحوال جرت الانتخابات الأخيرة في ظل قانون وصفه رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان أنه: "على درجة كبيرة من التعقيد، ولعله الأكثر تعقيدا بين الأنظمة الانتخابية في العالم، فتح باب التنافس على مصراعيه بين لوائح المرشحين، وبين المرشحين حتى داخل اللائحة الواحدة، ما أفسح المجال واسعا أمام تقديم الطعون في الانتخابات".

هذا وخلصت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات (لادي) في تقريرها عن الانتخابات النيابية التي جرت في أيار 2018 إلى "أن العملية الانتخابية لم تكن ديمقراطية لأسباب عدة بينها أن أصوات الناخبين لم تكن حرة وإنما مكبلة بالزبائنية، وأن قانون الانتخاب لا يساوي بين الناخبين ولا بين المرشحين ولا يؤمن دقة التمثيل، وأنه رفع سقف الإنفاق الانتخابي، فضلا عن كونه حرم العسكر والشباب من 18 إلى 21 عاما من الاقتراع، كما أن إدارة الانتخابات لم تكن محايدة بل أدارت الانتخابات حكومة من 17 وزيرا مرشحا في ظل عدم وجود هيئة مستقلة تدير الانتخابات، ولأن وزارة الداخلية والبلديات خالفت القانون مرارا وتكرارا".

الملفت في الموضوع أن إعلان الطعن ترافق مع نشر "مخالفة" حول شرعية الانتخابات في الجريدة الرسمية مع القرار، قدمها عضو المجلس البروفسور أنطوان مسرة. وبينما شكل خبر إبطال النيابة مادة إعلامية دسمة شغلت الرأي العام؛ لم تحظ المخالفة سوى بالنشر في بعض الصحف ووسائل الإعلام في حينه، ثم اختفت تماما من المشهد والنقاش السياسيين. فكلما أشرت إليها في الأحاديث والنقاشات العامة أو في الندوات وغيرها من المناسبات الفكرية لا أجد بين الحضور من سمع بها؛ وكأن هناك "كلمة سر" بمنع التداول في الموضوع.

و"المخالفة" هي عبارة عن تقرير قانوني ومراجعة من 19 صفحة تسجل المخالفات القانونية لمجمل الانتخابات. ومما جاء فيها: أن الانتخابات النيابية بكاملها في 6 أيار 2018 مشكوك بصحتها، إلا في بعض النتائج التي تحتاج إلى تحقق حول مدى تعبيرها عن إرادة شعبية.

التشكيك يعود إلى سببين جوهرين على الأقل ملازمين وغير متوفرين لصحة الانتخابات واردين بوضوح ودقة وتفصيل في تقرير هيئة الإشراف على الانتخابات:

أولا: إنشاء الهيئة قانونا، وليس عمليا، أي بدون توفير الإمكانات المالية والإدارية واللوجستية لعملها من قبل سلطة صلاحيتها تنفيذية، كما هو ثابت في التقرير الختامي للهيئة واستقالة أحد أعضائها، هو مجرد إصدار مرسوم وليس إنشاء هيئة ناظمة، وهو بالتالي تحايل على مفهوم القانون الهادف في جوهره إلى التنظيم والانتظام والفعالية.

ثانيا: انتفاء مراقبة الانفاق الانتخابي ضمانا للمساواة وتكافؤ الفرص بين المرشحين.

ونورد توسيعا لبعض الأسباب التي أوردتها المخالفة ولم تأت "لادي" على ذكرها: لا شرعية اقتراع اللبنانيين غير المقيمين حيث أن اقتراع غير المقيمين المفترض أن يحصل في الانتخابات اللاحقة لدورة 2018 وليس في هذه الدورة.

كما أن قانون الانتخاب يشكل خرقا لمبدأ الهيئة الانتخابية الموحدة collège électoral unique الذي هو من الثوابت اللبنانية تطبيقا "لميثاق العيش المشترك" في مقدمة الدستور اللبناني. بما أنه بموجب مبدأ الهيئة الانتخابية الموحدة ينتخب اللبنانيون من مختلف الطوائف مرشحين من طوائف متعددة، خلافا لما حصل على سبيل المثال في تقسيم بيروت الانتخابي مع فرز طائفي لبيروت.

ولم تعتمد معايير موحدة في تقسيم الدوائر الانتخابية، كما افتقد القانون إلى وحدة المعايير في تقسيم الدوائر وعدم المساواة في عدد المقاعد وبالتالي في قوة الصوت الانتخابي لكل مواطن.

وهناك أيضا مشكلة العازل المعتمد الضامن المادي لسرية الاقتراع، هو غير عازل تماما. كما سُجل في كل المناطق اللبنانية مرافقة مندوبي اللوائح لعدد كبير من الناخبين إلى خلف العازل بحجة الأمية والحاجة للمساعدة؛ ما يمثل خرقا لسرية الاقتراع وضغطا على الناخبين داخل الأقلام وخلف العازل.

إضافة إلى ممارسة الضغط النفسي، إذ أن التقديمات المبررة في قانون الانتخاب أنتجت تبعية منظمة لصالح مرشحين يتمتعون بنفوذ سياسي ومالي، فيتحول المواطنون من ناخبين إلى كتل اقتراعية مُستتبعة في معيشتها اليومية من خلال أقساط مدرسية وجامعية ودفع فحوصات طبية متنوعة، ومساعدة نواد رياضية ووعود بتأمين وظائف.

وبما أنه يتوجب التمييز بين الضغط المادي (قوة، ترهيب، منع، إكراه…) والضغط النفسي النابع من مصادر عديدة أبرزها استتباع من خلال سياسات توظيف فئوية، واستيلاء على خدمات عامة يجب أن توفرها أساسا الإدارات العامة لصالح المواطنين كافة، أصبح ما أوردته المخالفة موثقا أمام الرأي العام بعد أن كشف مؤخرا، وبلسان الوزراء، عن فضيحة توظيفات انتخابية بالآلاف (ما بين 5 و15 ألفا). ما يعني أنها استخدمت كرشوة، وهي الآن أحد أسباب الضغط على الموازنة العامة.

قانون الانتخاب يشكل خرقا لمبدأ الهيئة الانتخابية الموحدة

أما دائرة بيروت الأولى فلقد أعلن فوز المرشحة جمانة حداد مساء يوم الاقتراع بحسب نتائج الماكينات الانتخابية، لكن أعلنت خسارتها في اليوم الثاني. ولقد أقيمت عدة تحركات من قبل المجتمع المدني قوبلت بالقمع. ومما صرحت به المرشحة كما نقلت جريدة الأخبار (قريبة من حزب الله، وهو عرّاب القانون الانتخابي): "إن الالتباسات الخطيرة التي شابت العملية الانتخابية، وخصوصا عدم حياد السلطة التنفيذية، وانتهاك القانون في شأن اقتراع غير المقيمين، واختفاء نتائج عدد من أقلام هؤلاء، وتعطل "سيستام" الاحتساب الإلكتروني، واختفاء صندوق ثم ظهوره في وزارة الداخلية، ليتم نقله في ساعة متأخرة من الليل إلى مركز الفرز، وما اعترى نقل بعض الصناديق بدون حراسة أمنية، والمغالطات في احتساب الأصوات في بعض الصناديق، وطرد المندوبين والمرشحين من غرفة الفرز، ووصول صناديق مفتوحة، ورفض تسجيل التحفظ والاعتراض من قبل مندوبي لائحة "كلنا وطني".

وسجل التقرير أيضا "مخالفة في دائرة بيروت الأولى ـ مقعد الأقليات حيث ترد بالتفصيل شؤون عامة متعلقة بمجمل الانتخابات وحول دائرة بيروت الأولى ـ مقعد الأقليات"؛ موردا بالتفصيل الأسباب الأربعة التالية سأكتفي بإيراد عناوينها:

أولا: موجب الشفافية

ثانيا: القوائم الانتخابية

ثالثا: مخالفات أو شكوك جديّة عديدة

رابعا: البرنامج الإلكتروني

كما نرى تشكل هذه المخالفة وثيقة قانونية تطعن في شرعية الانتخابات برمتها.

انطلاقا مما سبق، فإن أول ما يتوجب التركيز عليه من قبل التحركات المدنية المعارضة، العمل على تعديل قانون الانتخاب بما يتماشى مع أحكام وروح الدستور إذا أردنا انتخابات حرة نزيهة وشرعية في المستقبل.