زار البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قبل ظهر اليوم، مدرسة راهبات العائلة المقدسة السيدة في ساحل علما، بمناسبة مرور مئة عام على تأسيسها، والتقى طلاب الصفوف الثانوية، وكان حوار حول عدد من المواضيع المتعلقة بالشأنين الروحي والتربوي.

ونظمت ادارة المدرسة استقبالا للراعي، بحضور الرئيسة العامة لجمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات الأم ماري انطوانيت سعادة، الأخت غابريل بو موسى ومديرة المدرسة الأخت داليدا الحويك، الهيئتين التعليمية والإدارية، لجنة الأهل، والطلاب من مختلف الصفوف الذين رفعوا الأعلام اللبنانية وصور البطريرك الماروني الذي منحهم بركته الرسولية.

الحويك
استهل اللقاء بكلمة شكر وترحيب القتها الحويك قالت فيها: "حضرة رئيس كنيستنا المارونية، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق مار بشاره بطرس الراعي، لك ننحني وأمام غبطتك نؤدي خضوعنا البنوي. خرج الزارع ليزرع وخرج مؤسسنا منذ حوالي 125 عاما فسمع ورأى حاجة بلادنا لمؤسسات تربوية فأنشأ جمعيتنا. وها نحن في ساحل علما حيث وقع حب الزرع فكانت المدرسة لخمسين عاما في تربة غادير، وبعدها في أرض ساحل - علما. مئة عام رافقتنا من خلالها يد الله، ففاضت عنايته تلامذة تفوقوا في الحياة وكانوا مواطنين صالحين. وظهرت بركته بحياة مسيحية زرعت وأثمرت في الرعايا والجامعات والمؤسسات الكنسية. وكان لنا رضاه من خلال هيئة تربوية كفوءة وعائلات تضامنت وتتضامن يوما بعد يوم وتنمو في الأزمات كما في أيام النعمة".

أضافت: "ها نحن نصل اليوم إلى عتبة المئة عام. مئويتنا اخترناها لهذه السنة معا عودة إلى جذور إيماننا لننشىء شبيبتنا على معنى التزامهم الكنسي والوطني والعالمي. يوبيل مدرستنا استوحيناه من معنى اليوبيل في الكتاب المقدس. يوبيل إصغاء لحاجات العصر، يوبيل تحرير لكل مظلوم، يوبيل تجديد وعودة إلى الأصول والأساس، إلى القيم التي تعمر البلدان والعائلات والمدارس. وما نتمناه هو أن يعلنه لنا الرب سنة رضى، حضوركم معنا هو علامة هذا الرضى. رضا على تلامذتنا الذين ينتظرون بشوق كلمة راعيهم الروحي وهم الذين حضروا برغبة وحماسة لهذا اللقاء. لأنك يا غبطة البطريرك، وكما يقول الإرشاد الرسولي "المسيح يحيا" الذي صدر منذ ثلاثة أيام "إنك كما يسوع، شاب بين الشباب مثال للشبيبة تكرسهم للرب".

وختمت: "أهلا وسهلا بك تبارك يوبيلنا وعائلتنا المدرسية وعائلاتنا وشبيبتنا. فبركتك هذه تجعلنا ننفض عنا هرم المئة عام وتجعلنا نجدد شبابنا بشفاعة مريم شفيعة مدرستنا الساهرة بصمت على الرجاء في قلوبنا. كما يقول الإرشاد الرسولي "المسيح يحيا"، وها نحن كلنا في صمت انتظار لما سيقدمه تلامذتنا ولما سنسمعه من غبطتك، فأهلا وسهلا بك",

عرض طلابي
ثم عرض عدد من الطلاب لأهمية "الإصغاء الى صوت الله ونداءاته" من خلال وثائقي مصور يجسد "الإيمان المسيحي الذي تسلح به المسيحيون منذ نشأتهم وواجهوا به الإضطهادات على مر العصور". واوجزوا لسيرة مؤسس الجمعية البطريرك الياس الحويك ولهدفه من تأسيسها وهو "الإعتناء بالأولاد والمرضى والمسنين من اجل مجد الكنيسة". واشاروا الى "تمدد هذه الجمعية التي باتت تضم اليوم نحو 200 راهبة واكثر من 40 مركزا". كما تطرقوا الى الإرشاد الرسولي الذي خص به البابوات الشباب في الكنيسة ولا سيما الإرشاد الرسولي الأخير "المسيح يحيا" لقداسة البابا فرنسيس الذي صدر منذ ثلاثة ايام وهو يركز على دور الشباب وحياتهم في الكنيسة.

بعد ذلك، قدم قسم من الطلاب لوحة تعبيرية ترنيما وعزفا ورقصا للتعبير عن ايمانهم بالمخلص الفادي.

وتسلم الراعي من الطالبة نور خيرالله لوحة زيتية "مريم المجدلية" بتوقيعها، تجسد معنى "التوبة والعودة عن الخطيئة واكتشاف نور الحياة الحقيقي والخلاص".

وكانت شهادات حية لكل من الأخت لارا الخوري وادمون برهوش عن اهمية "الإصغاء لصوت الله والإستسلام لمشيئته".

كلمة الطلاب
ثم ألقت الطالبة غيدا حكيم كلمة باسم الطلاب، قالت فيها: "أهلا بكم يا صاحب الغبطة في المدرسة الأقرب الى بكركي مسافة ومحبة، راعيا للشباب والشابات وموجها اياهم في خياراتهم المستقبلية على الصعيدين الروحي والوطني، وداعما لبقائهم في وطنهم وتشبثهم بأرض آبائهم واجدادهم، حاثا المغتربين منهم حيثما التقيتهم في بلدان الانتشار على العودة الى بلادهم والاستثمار فيها. أهلا بالبطريرك السابع والسبعين للطائفة المارونية والكاردينال الرابع في الكنيسة الكاثوليكية، اهلا ببطريرك "الشركة والمحبة" الذي لحق بأبنائه الى كل بقاع الأرض وزارهم في لبنان في مدنهم وقراهم، وشاركهم أفراحهم وأحزانهم، وكان معهم في رسائله الرعوية، وفي دروس التنشئة المسيحية على وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة وفي عظاته الأسبوعية التي يخاطب فيها أهل السياسة وعامة الناس بالكلمة الصادقة والتوجيه القويم".

أضافت: "صاحب الغبطة والنيافة، لا تستطيع الكلمات ان تعبر عن فرحنا العميق وسعادتنا الكبرى بحصول هذا اللقاء، لذا نستغل المناسبة للدعاء لكم بطول العمر ونصلي الى الله كي يهبكم من لدنه مثال الصبر والحكمة والعافية لتستمروا في أداء رسالتكم لخدمة الموارنة وسائر اللبنانيين".

الراعي
بدوره شكر الراعي المدرسة ادارة واساتذة وطلابا، على تنظيم "هذا الإستقبال المميز والرائع مع ما حمله من محبة وايمان واندفاع ظهر على وجوه الجميع"، وقال: "بتأثر كبير اعبر عن فرحتي بلقائكم اليوم ولا سيما اننا شعرنا ايضا بحضور البطريرك الياس الحويك الذي تكنون له كل الحب والوفاء، ونسأل الله ان يرفعه طوباويا على مذابحه فهو في السماء يشاهد طبعا هذا المشهد الرائع بنظره وعطفه ورؤيته النبوية التي تمتع بها منذ مئة سنة. ففي سنة 1919 عندما اسس المدرسة التي نحتفل اليوم بيوبيلها كان يعيش في نفس الوقت معركة لبنان حيث ترأس الوفد اللبناني الرسمي الى مؤتمر فرساي بعد انهيار السلطنة العثمانية وارادة الدول تقاسم هذه السلطنة فكان الحويك على مثال البطاركة الذين سبقوه والذين حافظوا كمار يوحنا مارون على وديعتين: الإيمان الكاثوليكي واستقلاليتهم. لذلك كانوا احيانا يعيشون في اعالي الجبال واحيانا في الوديان او السهول. والمراكز البطريركية لم تكن كما ترونها اليوم كالصرح البطريركي في بكركي او في الديمان الذي اسسه البطريرك الحويك، لقد كان البطاركة يعيشون في ما يعرف بالقلايات وينتقلون من مكان الى آخر للحفاظ على الوديعتين، من هنا مقولة عروشهم على ظهورهم".

أضاف: "لقد انهمك الحويك كثيرا في دفاعه عن لبنان وانشائه كدولة سنة 1919 واسس في نفس الوقت مدرسة السيدة تحت نظره. وكما ذكرتم لقد كانت الأقرب له لأنه كان يهتم بالجمعية الفتية التي اسسها سنة 1895 وكان لا يزال نائبا بطريركيا. والعناية شاءت ان ينتخب بطريركا بعد ثلاث سنوات وهو يحمل في قلبه هذه الجمعية التي اسسها من اجل خدمة العائلة. لقد آمن ان مستقبل الأوطان ومستقبل الكنيسة ومستقبل المجتمع هو الشبيبة. لقد آمن انه اذا كانت الشبيبة سليمة هذا يعني وجود عائلة سليمة واكليروس سليم ومواطنين كما يجب، لذلك اراد كما العناية الإلهية ان تبقى هذه الجمعية الفتية تحت نظره. وما نشرته الجمعية من كتابات له ورسائل تشكل وثائق اساسية في حياتنا".

وتابع: "ما اود قوله للشباب ولكم انه لديكم مكانة خاصة في قلب البطريرك الحويك. لقد اسس عدة مدارس وسلم الراهبات المسيرة. لقد اعجبت كثيرا بما رأيته اليوم وسمعته منكم، لقد حضرتموه بكثير من البساطة ولكن بعمق كبير. في المجتمع نرى الكثير من الشباب الضائع بين حياة لا طعم لها وبين من بات مستثمرا للمخدرات ومن فقد معنى لوجوده، في المقابل ننظر اليكم ونشكر الله على وجود اكثر من خميرة. شكرا لأخواتنا الراهبات والمعلمين والمعلمات والأهل الذين اختاروا لكم هذه المدرسة على الرغم من كل الصعوبات المالية والإقتصادية، الأهل لا يزالون يدفعون الغالي ليعطوا النفيس لأولادهم. التربية علم واخلاق وايمان وهي ثقافة وطنية وروحية واجتماعية".

وقال: "ما رأيناه اليوم ليس بأمر بسيط وانما هو امر كبير أظهر مقدرة واقتناعا. أنتم لم تمثلوا، فقد أبصرت في وجوهكم عيشكم للكلمات التي نطقتم بها. الراهبات يسمين البطريرك الحويك رجل العناية الإلهية وانا اسميه نبي القرن العشرين لأن كل ما صنعه كان نبويا من تأسيس للجمعية الى المدارس ومن ثم تأسيس لبنان. في ايلول المقبل بداية المئة سنة على تأسيس دولة لبنان الكبير وسيكون لكم المجال لتعرفوا كم ان البطريرك الحويك قد عانى وتحمل كي تنطلق دولة لبنان. لقد دافع بوجه الجميع، بوجه فرنسا وانكلترا، وهذه امور منشورة وتظهر ايمان هذا الرجل بدعوته الإلهية. نصلي لكي يظهر الرب قداسته".

أضاف: "كشباب علينا متابعة الطريق، وانا كبطريرك علي ايضا متابعة الطريق التي بدأها اسلافي ولا سيما البطريرك الحويك. الشباب هم الأساس وان فقدناهم فقدنا كل شيء. الصديق الكبير للشباب البابا القديس يوحنا بولس الثاني يقول ان الشباب ليس بعمر عابر وانما هو سن وعمر القرار الكبير لأن الشباب تكون قراراتهم صافية ومن القلب. من اجل ذلك اراد البابا فرنسيس الدعوة الى سينودس من اجل الشبيبة، وشاءت العناية الإلهية بشفاعة رجل العناية البطريرك الحويك ان يصدر الإرشاد الرسولي منذ يومين".

وإذ منح الشبيبة بركته، قال: "أنتم في صلاتي دوما لأنكم تنتمون الى تاريخين: عالم الأرض اي الإنتماء الى عائلاتنا واوطاننا، وايضا عالم ثان وهو تاريخ الخلاص، عالم الله. لذلك علي ترك نافذة لله في حياتي لأصغي اليه والى مشيئته، وان اسأله دائما ماذا تريد مني. لكل منا شخصيته وفرادته ووحده ربنا يقول لي ماذا يريد مني".

ثم كان حوار بين الراعي والتلامذة تخلله طرح عدد من الأسئلة تركزت حول صورة الشاب المسيحي المثالي، ودور الكنيسة في تأمين حاجات شبابها، ووضع المسيحيين في الشرق، فأكد البطريرك الماروني ان "على الشاب المسيحي ان يعيش القيم الأخلاقية والروحية والإجتماعية وان يوظف عقله لمعرفة الحقيقة وارادته لفعل الخير وحريته لاختيار الأفضل وقلبه للحب".

وعن تأمين الكنيسة لحاجات الشباب، قال: "الإنسان هو من اولويات اهتمام الكنيسة وهي تحمل همه روحيا وكيانيا وتربويا وصحيا، لذلك انشأت له المؤسسات التي تهتم به على مختلف الصعد، ولكن هذا لا يعني ان الكنيسة تحل محل الدولة التي هي المسؤول الأول عن حياة المواطن وعن مساعدته. كل الدول تهتم بمواطنيها وبخيرهم العام ولا تتخلى عن مسؤوليتها حيالهم كما يحصل اليوم للأسف. وعلى الرغم من هذا، فالكنيسة تتابع عملها وتساعد ابناءها. وفي هذا الإطار اضطررت العام الفائت الى اصدار رسالة "خدمة المحبة الإجتماعية" مزودة بأرقام تفصيلية عن قيمة ونوع وعدد المساعدات التي تقدمها الكنيسة لأبنائها الذين تريدهم ان يبقوا في ارضهم ووطنهم لأظهر بالارقام مساعدة الكنيسة في ظل تراخي الدولة عن دفع ما يتوجب عليها. لقد اراد الحويك ان يكون لكم وطن لذلك عليكم الا تتركوه والكنيسة معكم".

وعن وضع المسيحيين في الشرق، قال: "المسيحيون اصيلون في هذا الشرق، ولقد فرضت الحرب في هذه المنطقة بهدف تقسيمها وجعلها دويلات، وللأسف تأثر الحضور المسيحي بهذه الحروب فتضاءل كثيرا في هذا الشرق الذي وجد فيه منذ الفي سنة. ونحن اليوم نطالب بعودة جميع النازحين سواء كانوا مسلمين ام مسيحيين، لكي يحافظوا على ارضهم وتاريخهم وحضارتهم. الرب أرادنا في هذه المنطقة فلا يمكن ان نترك رسالتنا. لاهوتيا نحن جسد المسيح السري المنتشر حول العالم، وتاريخيا عمرنا 2000 سنة في هذا العالم المشرقي، وسنحافظ على وجودنا على الرغم من ألم كنيستنا".

وعن امكانية زيارة البابا فرنسيس للبنان، قال: "تم توجيه دعوة رسمية لقداسته من فخامة رئيس الجمهورية واخرى من مجلس البطاركة والأساقفة في لبنان، وعندما يحين الوقت أعتقد ان قداسته سيزورنا".

وفي الختام قدمت سعادة هدية تذكارية الى الراعي الذي دون كلمة في السجل الذهبي للمدرسة.