يومان وثلاث ليالي بتيكيت رخيص على متن رحلة مستأجرة وبأسعار مخفّضة وإقامتهم في فنادق بلا نجوم، يتحوّل بعض زوّار فرنسا من اللبنانيين إلى محلّلين في اركيولوجيا الحضارات وتاريخ العرق البشري في «شابيتر» الأخلاق، ويبدأون المقارنة بين مساهمات اللبنانيين في المجتمع الفرنسي وغيرهم من الجنسيات العربية، وخصوصاً الجزائرية.

كان من الممكن أن نصدّق مزاعمهم لو أنهم اشتروا خلال إقامتهم صحيفة من أحد الأكشاك المنتشرة على الطرق وتثقّفوا، أو شاهدوا نشرة أخبار تحليلية فرنسية وتنوّروا. لكن القسم الأكبر منهم، وفي أبعد تقدير، إنزعج صوت أحذيتهم الجديدة على أرصفة الشانزيليزيه او امتعض ظلّ أكياس مشترياتهم الفاخرة على التروكاديرو من جلبة بعض الجزائريين المحتجّين على أوضاعهم الصعبة، حتى في باريس.

هؤلاء، الذين نسمح بتمييز أنفسنا عنهم، هم أنفسهم الذين نجحوا بعكس كل الشعوب العربية بإزاحة بوتفليقة واحد عن الحكم، في ثورة بيضاء سلمية حضارية، وبدأوا يجهّزون بلادهم لمرحلة تليق بآمالهم. بلادهم الجزائر، تُعتبر واحدة من أهم الدول المصدّرة للنفط في العالم، ويبلغ حجم دينها الخارجي صفر دولار، نعم صفر (متلنا تقريباً!!!). الجزائر تقدّم الرعاية الصحيّة المجّانية لشعبها، وحتى البدو الذين يعيشون في خيم في الصحراء على بعد آلاف الكيلومترات من العاصمة (عكار تبعد 100 كيلومتر عن بيروت).

الجزائر تصرف سنوياً ملايين الدولارات لتطوير محطّات تكرير الصرف الصحّي لحماية ثروتها السمكية (كيلو السلطان الملوّث بـ60 ألف بلبنان)، وتطبّق خططاً واعدة لحلّ مشاكل النفايات (أكيد ليس مثل محرقة بيروت). الجزائر شاركت في كل الألعاب الأولمبية منذ عام 1964 حتى اليوم، ونحن لا نستطيع إكمال مباراة كرة سلّة أو كرة قدم من دون التعبير عن أخلاقنا الطائفية.

بالطبع، ليست الجزائر أرض الميعاد للشعوب العربية، لكن مع كلّ هذا، لم يتحمّل الجزائريون بوتفليقة واحد. 

هم أزاحوا بوتفليقة، ونحن يحكمنا عشرات الـ«بو تلفيقة»، يلفّقون علينا التشريعات، والقوانين، والإصلاحات، والوعود، ويلفّقون الأكاذيب في الانتخابات والسياسة والأمن والاستقرار والاقتصاد... عشرات البو تلفيقة يعيشون بيننا، وفوق رؤوسنا، وعلى مصالحنا، وصحتنا، وحقوقنا، ونظافتنا، وكرامتنا، ولا يتركون شاشة ومنبراً ومناسبة ووضع حجر أساس وغرس شجرة أرز مستوردة إلّا ويلفّقون وعوداً على شعب بات يعيش على أكل الكمّون.

زعيمي بو تلفيقة، شبع الشباب والشابات اللبنانيات من تلفيقاتك في حلّ مشكلة البطالة والإسكان.

زعيمي بو تلفيقة، شبعت لمباتنا وبراداتنا الفارغة ودفاياتنا التي تعيش على تكّة الديجونكتور من تلفيقاتك في حلّ مشكلة الكهرباء.

شبعت حنفياتنا الجافة ومغاطسنا المشتاقة إلى أجسادنا العارية المستلقاة فيها، وأزهارنا الذابلة على الشرفات من تلفيقاتك في حلّ مشكلة المياه.


شبع الأساتذة والمتطوعون في الدفاع المدني والموظفون والمتعاقدون من تلفيقاتك في حلّ مشكلة لقمة عيشهم.

زعيمي بو تلفيقة، شبعت رئات أطفالنا من سرطانات تلفيقاتك في حلّ مشكلة التلوّث والنفايات. 

شبعت عصي العجزة من تلفيقاتك في حلّ مشكلة ضمان الشيخوخة. وشبعت أكياس مصل المرضى المستعصية حالاتهم من تلفيقاتك في حلّ الرعاية الصحيّة.

شبعت اللبنانيات، أمّهات وأرامل وعازبات ومطلّقات من تلفيقاتك في حلّ مشكلات العنف الأسري وحقوق المرأة والزواج المدني.

شبع الإعلاميون والصحف والمحطات والإذاعات من تلفيقاتك في حلّ حرية التعبير والشفافية.

شبعت كنائسنا ومساجدنا من طائفيتك ومن تلفيقاتك في حلّ الدولة المدنية.

شبعت حناجرنا من قصص حروبك وانتصاراتك، وشبعت آذاننا من تلفيقاك في طيّ صفحة الماضي وبناء مستقبل لأولادنا.

زعيمي بو تلفيقة، شبعت جيوبنا من ضرائبك وعمى قلبك وقلّة ضميرك وجشعك وفسادك الذي تحاربه بفساد أكبر وتلفيقاتك في حلّ مشكلات الاقتصاد والفساد والعجز.

زعيمي بو تلفيقة، رحلت آمالنا، ورحلت صحتنا، ورحلت ضحكتنا، وجهدنا، وأموالنا، وأملنا، ومستقبلنا... 
وأنت، متى سترحل وتأخذ معك تلفيقاتك؟