إنعقدت القمة العربية في تونس، وكأنها لم تُعقد، بل لم تترك أثراً يمكن أن يرفعها إلى مستوى التعبير عن إسمها الكبير.
 

هذه القمة، وبحسب قراءة سياسية فيها، كان لها أن تكون حدثاً عابراً، لولا تلك الصور التي تمّ عرضُها على مواقع التواصل الاجتماعي وعكست مشهداً كاريكاتورياً بـ»النوم الجماعي» الذي يتكرّر سنوياً ليؤكد أنّ هذا الاجتماع العربي ما هو إلّا مناسبة جديدة للتذكير بأنّ أمة العرب نائمة.

فالبيان الختامي للقمة، بحسب تلك القراءة، لم يخيب ظنون مَن وصفها قبل انعقادها بقمة اللاشيء، أو بالأحرى قمة الاختلافات العربية المحتدمة وغير القابلة للحم او التبديد، فما بين العرب اعمق من ان يوصف، بحيث لم يقدّم هذا البيان جديداً، بل كرر مواقف وبيانات دورية، وانقسامات في شأن سوريا وايران وحرب اليمن والنزاع بين دول الخليج.

على أنّ ما ينبغي لحظه، والكلام لصاحب القراءة، هو أنّ العرب إحتفوا ببيان رفض قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب حول الجولان، ليوضع مع غيره من البيانات في أدراج الأمانة العامة، لإعادة تدويره مجدداً في قمم لاحقة، طالما أنّ ضمّ المرتفعات المحتلة لإسرائيل بات أمراً واقعاً سيلقي بظلاله على الأمة النائمة لسنوات أو ربما لعقود مقبلة.

هلّل العرب كذلك لبيان رفض الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، ليلقى مكانه فوق بيان الجولان أو تحته، ليستخدم مرة جديدة في ما يحضر للقضية الفلسطينية من مشاريع تصفية، عنوانها العريض «صفقة القرن» التي يجاهر العرب أنفسهم بدعمها.

المفارقة الغريبة، هي أنّ الجولان سوري، بحسب القادة العرب، لكنّ سوريا بالنسبة اليهم لم تعد عربية، بل إيرانية، وإعادتها إلى الجامعة العربية معلّقة إلى أن يقضي الله مفعولاً. وما ينطبق على الجولان ينسحب على القدس، فالبيان حوّلها ليس اكثر من نسخة معدّلة التاريخ من نموذج دأب القادة العرب على إصداره منذ تأسيس الجامعة العربية، فيما ما يحاك ضد القدس خصوصاً والقضية الفلسطينية عموماً بات على مسافة اسابيع من تكريسه رسمياً، والصفقة باتت جاهزة، وموعد إعلانها الرسمي ليس بتوقيت العرب وانما بتوقيت واشنطن وتل ابيب.

هذه الصفقة، يضيف صاحب القراءة، لن يسلم احد منها، كل دول المنطقة ستدفع الثمن، من مصر إلى الأردن إلى سوريا وصولاً إلى لبنان المهدَّد بأن يدفع ثمن الصفقة توطيناً للفلسطينيين، إلى جانب جحافل النازحين السوريين، وهنا يكمن السم في الجسم اللبناني.

في تقدير صاحب القراءة السياسية أنّ حضور الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، والامير القطري تميم للجلسة الافتتاحية لقمة تونس، ليس مستغرَباً في هذه الاجواء. كما أنّ مغادرة الشيخ تميم القمة خلال كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية، التي تلت كلمتي الملك السعودي والرئيس التونسي، كانت بحسب معلومات تونسية يصفها صاحب القراءة بالموثوقة، مبرمجة مسبقاً منذ إعلان مشاركته في القمة بأنّ الجانب القطري اتفق مع المسؤولين التونسيين على أن يكتفي الأمير تميم بحضور كلمتي رئيس تونس والأمين العام للجامعة».

وأيّاً تكن الحال كما يقول صاحب القراءة، فإنّ مجرّد حضور الجارين اللدودين يؤشر الى حلحلةٍ ما في الأزمة الخليجية، ولكنها ليست مجانية بطبيعة الحال، طالما أنّ كل الخلافات تتلاشى حين يتعلق الأمر بـ»امور كبرى» في المنطقة، وبطبيعة الحال أكبر من الدولتين.

إشارتان طريفتان ارسلتهما القمة، الأولى هي الخلاف حول مكان انعقاد القمة المقبلة، والثانية تبدّت بصورة كوميدية حيث ما أن انتهت القمة وأقفل القادة العرب عائدين الى بلدانهم، حتى تمّ اقتلاعُ الأشجار من محيط مقرّ اجتماعهم، من دون أن يقدّم «التوانسة» أيّ تفسير لهذا الإجراء. إلّا إذا كانت هذه الأشجار إصطناعية.. فهنا يختلف الأمر!