الحب يا صديقتي النحلة، ليس إرادياً...! فكيف يحاسبنا ويعاقبنا عليه وقد أودعه فينا؟
 

هكذا روت عجائز جبل عامل، عن المتطفلين والمرتزقة، وعن الذين يتاجرون بالدين، وتقول العجائز: أنَّ أحد الولاة الصغار من جماعات الدبابير والدنانير من الذين يرتدون مسوح الدين من جبة وعمة، ويعطيك حلاوة من لسانه وطلاوة من حديثه، كان يراود نحلة في قفيرٍ من الورد والشوك، وهي ترفَّ جناح الأمومة، فدخل في قفيرها، حقاً لا يشبهه أحدٌ من خلق الله في تصرفاته، وكان عطوفاً كأنه أمٌ حنونٌ على أولاده، يفضِّلُ مجيئه ليلاً على عبادته نهاراً، إذ يكون العمل الجهادي والإرشادي والوعظي قد طهراه مع قدوم الليل، ليخلع عنه هموم التعب، فيستريح على أريكته المعتادة بهدوءٍ وخشوع، فيحدثهم وهو مغمض العينين، ويلقي برأسه الأمغر إلى الخلف، حتى تبرز تفاحة آدم في عنقه، فيسترسل في الترتيل والتهليل، واضعاً يده على لحيته الشعثاء، تحسبه أجلح الصدغين، وهو يلهث كمن أبهظت عمته حملٌ ثقيلٌ، يشبه سكيرٌ مدمنٌ جالساً كالوتد، ترفُّ عيناه وتهتز شعيرات وشعرات لحيته، ناشراً عليهم سحره وهو يطرد قرينه بصوتٍ خافتٍ حتى بان عليه لونٌ كامدٍ، وكساه من رأسه إلى أخمصه، ولسانه يتحرَّك مثل لسان أفعى وهي تتلوَّى في عزِّ الحر... 

إقرأ أيضًا: رسالة طفلة من بعلبك إلى الله.... (شالوا الكوخ)

هكذا تروي العجائز، إنه كان يقضي ليله في عبادته إلى أن تأخذ الثمالة منها مأخذها، ويروي لهم حكايات الله عن فواحش وفاحشة الكهنة والكهنوت، والشيوخ والمفتين، واللصوص والسماسرة والقياصرة، التي ضاقت بهم الدنيا فصاروا شرفاء، وأصبحوا يتقنون غواية النساء، ويكمل حديثه : إن إغواء المرأة هي بمثابة منح الصدقة، هكذا روت عجائز جبل عامل عن ذاك المتطفل، لأنه لا يوجد إمرأة لا تفتقر إلى الحنان..؟ لأنَّ أزواجهن رجالٌ ضعفاء لا يعرفون مدى العطف ومعنى الحنان عند النساء..؟

إقرأ أيضًا: اسمعوا وعووا يا شيعة علي (ع)

ولهذا يكمل وعظه: عندما ترى إمرأة يا صديقي إحتضنها حضنة مشفقٌ واطرد الشيطان من بين فخذيك، فالله يجزيك الثواب، لأنه تعالى لا يعاقبنا على شيءٍ ليس بمقدورنا، فالحب يا صديقتي النحلة، ليس إرادياً...! فكيف يحاسبنا ويعاقبنا عليه وقد أودعه فينا.؟ وهكذا كان يطرد هذا المرتزق والجرذ الليلي، كل شياطينه، حتى بلغ ذروة العطف والحب والحنان، فقال لها: (هذا هو الزواج الروحي)، وأطلقت عليه عجائز جبل عامل (زير ومفتي النساء)، وهكذا كان يصطاد طرائده لأنه شديد الطمع بالنساء، إنه واسع الهوس، كان بارعاً باستغلالهن، إلا أنه لم يكن يمسهنَّ، خوفاً من العواقب على ما يبدو ـ من رواية العجائز ـ فيوقعهن في شباكه، لأنه يتقن فنَّ بيع الحليب في أسواقهن، وختمت العجائز روايتها بقولها: إنه سافلٌ يقترف نذالاته بطرقٍ ملتويةٍ وتحسبه من رجال دين الله عند تراتيله وصلواته ومواعظه، فهو رجلٌ يبحث عن حريته الواسعة في الإثم والمرأة.... 

حفظ الله علمائنا الأبرار العارفين بدينه والحافظين لحدوده، رحم الله الماضين منهم، وحفظ الباقين، إنه سميع الدعاء.