أردوغان زرع ألغامه في طريق الاقتصاد التركي، وإذا ما كانت أزماته مع دول أوروبية مثل ألمانيا وهولندا قد مرت بسلام، فإن الأزمة التي افتعلها مع الولايات المتحدة لسبب تافه ضربت الاقتصاد التركي في الصميم.
 

كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطمئنا إلى أن حزبه “العدالة والتنمية” سيخرج من الانتخابات المحلية منتصرا.

استلهم الرئيس الملتزم بعقيدة الإخوان المسلمين من تجربته الشخصية فكرة أن الجمهور يمكن سرقته من حياته عن طريق إلهائه باستعراضات عقائدية من نوع “الدفاع عن الإسلام لأنه يواجه خطرا”.

كانت نجاحات أردوغان مدوّية وهو يتنقل بسلام بين أدواره المسرحية التي كان يؤديها بصوت عال يفصح عن ثقة واعتداد بالنفس.

ولم يكن داعية الإسلام السياسي ليخفي طموحاته في استعادة تركيا لمجدها العثماني، بشرط أن تكون تحت قيادته.

اعتمد أردوغان خطابا دينيا – قوميا مزدوجا. وكان من الممكن أن يهزم خصومه مثلما فعل عبر السنوات الماضية من حكمه، لو أن الليرة التركية حافظت على سعر صرفها في الأسواق. وكما يبدو فإن أردوغان لم يحتط ليوم تقاسمه فيه الليرة فراش أحلامه.

لقد اعتقد الرجل، الذي حققت خطاباته الحماسية النسبة الأعلى على مستوى الإقبال الجماهيري لا في تركيا وحدها بل وأيضا في أجزاء من العالم العربي، أن أفكاره هي التي تدفع الأتراك إلى التمسك به وبحزبه.

ها هي نتائج الانتخابات الأخيرة في كبرى المدن التركية وبالأخص إسطنبول وأنقرة تؤكد أنه لم يكن مصيبا في اعتقاده. بل إن إصراره على أن يقحم الجريمة البشعة التي وقعت في نيوزيلندا ضد المسلمين في أجندة حزبه الانتخابية قد أضر به وبحزبه.

لقد هزمت الليرة حزبه. وتبين أن الشعب التركي لم تغره مشاهد الطوابير التي تقف في انتظار شراء المواد الغذائية بأسعار مخفضة في ظل خطوة استعراضية قامت بها الحكومة التركية تذكر بما كان يحدث في الدول الاشتراكية سابقا.

لم يفهم أردوغان أن أساس نجاحه يكمن في القفزة الاقتصادية التي حققها القطاع الخاص في عهده. ولم تكن تلك القفزة لتحدث إلا بسبب عدم تداخل السياسي بالاقتصادي. وهو أمر كان يمكن أن يُحسب لصالح أردوغان لولا أن الرجل أدخل تركيا في نزاعات إقليمية ودولية لم تكن ضرورية إلا لأسباب عقائدية.

نزاعات أردوغان مع العالم الخارجي التي كانت ذات صلة بنزعته الشخصية وميوله العقائدية انعكست سلبا على الاقتصاد التركي، فانهارت الليرة في أسواق الصرف بأسلوب فجائعي لم يكن أحد يتوقعه في ظل تنامي الاقتصاد التركي وانفتاح الأسواق العالمية على منتجاته.

وما يجب الاعتراف به أن تركيا كانت قد استعادت عن طريق اقتصادها مكانتها في العالم باعتبارها دولة فتية، لم تكن دول الغرب تملك عقدة تمنعها من فتح أسواقها أمامها.

غير أن أردوغان باعتباره واحدا من رعاة فكرة الإسلام السياسي لم يكن حريصا على أن يدعم ذلك النجاح الاقتصادي بعلاقات سياسية منسابة ومريحة ولا تدعو إلى الريبة والشك.

لقد زرع أردوغان ألغامه في طريق الاقتصاد التركي. وإذا ما كانت أزماته مع دول أوروبية مثل ألمانيا وهولندا قد مرت بسلام، فإن الأزمة التي افتعلها مع الولايات المتحدة لسبب تافه ضربت الاقتصاد التركي في الصميم.

لم يستطع عبقري الأفكار الإخوانية يومها أن يمنع الليرة من الانهيار، فظهرت حقيقة انقطاع الصلة ما بين أفكاره وبين المسألة الاقتصادية. لقد أدى سلوكه السياسي الطائش والمتعثر إلى انهيار سعر صرف الليرة. ذلك ما صار على أردوغان أن يفهمه اليوم.

الليرة، وهي تعبير ملخص عن الوضع الاقتصادي، هي بالنسبة للشعب التركي أهم من أفكار أردوغان. غير أن المسألة الأهم التي يجب أن ينتبه إليها المخدوعون بشخصية أردوغان من العرب تكمن في أن الرجل الذي انتحل شخصية صلاح الدين الأيوبي بالنسبة للقدس كان قد وقّع عشرات الاتفاقيات مع الدولة العبرية. وهي اتفاقيات لم يستفد الاقتصاد التركي منها شيئا.

انتصار الليرة التركية على فكرة أردوغان هو بمثابة هزيمة أخرى للإسلام السياسي.