تجاوزاً للنتائج السياسية التي أسفرت عنها زيارة الرئيس ميشال عون لموسكو، ولقاؤه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سُجّلت على الهامش مساع رئاسية لتسويق المرشح المقبل للرئاسة الوزير جبران باسيل في موسكو عاصمة القرار المؤثر في لبنان وسوريا والمنطقة. وفي المقابل اعتبرت مصادر «التيار الوطني الحر» «أن اي كلام عن اجندات خاصة في زيارة روسيا هو بعيد جدا عن الواقع».
 

في التفاصيل التي كشفتها مصادر ديبلوماسية اطّلعت على فحوى الزيارة انّ عون فاتح بوتين بترشيح باسيل طالباً دعمه في الانتخابات المقبلة، وذلك انطلاقاً من المناخ الذي بات يميّز عهد عون الذي تكلم في موسكو عن الدور الروسي في حماية الأقليات، والذي تماهي كلياً في البيان الروسي ـ اللبناني مع استراتيجية روسيا في سوريا تحديداً، مسلّفاً الروس موقفاً هو الابعد عن نظرة المجتمع الدولي الى الملف السوري.

واشارت المصادر انّ اللقاء الذي جمع الرئيس اللبناني بنظيره الروسي، وضم باسيل والمستشارة ميراي عون، كان مقرَّراً أن يضم سفير لبنان في موسكو، لاعتبار أنّ اللقاء ليس ثنائياً، لكنّ باسيل شطب ومن لائحة الحضور اللبناني في اللقاء الى جانب رئيس الجمهورية سفير لبنان في العاصمة الروسية ليقتصر عليه وعلى المستشارة عون، ما جعل اللقاء شبهَ مقفل يمكن أن يقال فيه ما لا يجوز حتى لسفير أن يسمعه.

واضافت هذه المصادر أنّ الروس فوجِئوا بشطب اسم السفير اللبناني عن اللقاء، واستغربوا الخطوة ليتبيّن فيما بعد أنّ عون أراد أن يفاتح بوتين بأمر دعم باسيل للرئاسة، من ضمن الاسباب السياسية الموجبة التي تميز عهده الذي يقترب من روسيا ويبتعد عن الولايات المتحدة الاميركية، وقد تجلّى ذلك في تعمّده استقبال وزير الخارجية الاميركي بطريقة جافة، كذلك سبق أن تجلّى ذلك في اعطاء شركة روسية حق استثمار مصفاة طرابلس، وكلها رسائل رئاسية، تصبّ في الهدف نفسه.

واضافت المصادر الديبلوماسية انّ البيان الرئاسي المشترك الذي نتج من الزيارة، دلّ بوضوح على تقديم عون اوراقاً كثيرة لروسيا، فالبيان ابدى الدعم لسوريا في مواجهة الارهاب، وفي ذلك تجاوزٌ للموقف الدولي من النظام ومن الاتهامات له باستعمال السلاح الكيماوي والبراميل المتفجرة والإبادة الجماعية.

كما انّ البيان أيّد مؤتمر استانة الذي ترعاه روسيا بالاتفاق مع ايران وتركيا، وارتكز على اعتبار مقرّرات سوتشي نواة الحل السياسي في سوريا متجاهلاً مؤتمرات جنيف، والدعم الدولي والعربي الذي تلقاه، وكل ذلك بات عبارة عن اصطفاف لبناني كامل الى جانب روسيا يخرق «النأي بالنفس»، ويضع لبنان في مواجهة المجتمع الدولي والقرارات الدولية ذات الصلة بسوريا.

واضافت المصادر أنّ نتائج الزيارة بالنسبة لعودة اللاجئين كانت هزيلة إذ ربطت هذه العودة بالإعمار في سوريا، والإعمار ورقة لا تمتلكها موسكو، وبالتالي اقتصرت نتائج القمة على سباق رئاسي مقبل يريد عون أن يحظى فيه بدعم روسي لباسيل، علماً أنّ عون يحاول منذ بداية انتخابه نيلَ موافقة «حزب الله» على انتخاب باسيل، من دون ان ينجح، وجواب الحزب بقي على رهن كل الامور في اوقاتها من دون الاضطرار الى التزام مسبق بأيِّ تعهّد لأيِّ مرشح.


في الخلاصة، يمكن القول إنّ عون أصبح بعد زيارة موسكو، في خط معاكس، وربما صدامي، مع الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها في المنطقة، كما انه بدا على الصعيد الدولي جزءاً من محور تتزعّمه روسيا، أحد عناوينه حماية الأقليات، وهذا بدا لافتاً ومتناقضاً مع ما تقوم به الكنيسة الكاثوليكية التي افتتحت حواراً مع العالم الإسلامي، بدءاً من زيارة البابا للإمارات مروراً بزيارته للمغرب، وليس انتهاءً بمحطات اخرى آتية، وكل ذلك يشبه الرهان على نيل نتائج من السباحة عكس التيار.

ردّ «التيار»

وفي المقابل تؤكد مصادر «التيار الوطني الحر» ان «أي كلام عن اجندات خاصة في زيارة عون لروسيا بعيد جداً عن الواقع، فالبحث تركز حول لبنان والنازحين والعلاقة الروسية ـ اللبنانية، اذ عبر الرئيس بوتين عن حرصه على تركيبة لبنان وعودة النازحين لعدم خلق مشكلة ديموغرافية في لبنان».

وتضيف هذه المصادر «أن روسيا نصحت باستمرار العلاقة مع سوريا لكن في الوقت نفسه أثنت على خيار لبنان في أن لا تستفز هذه العلاقة اي دولة عربية وهو ما يقوم به الرئيس عون الذي يحرص على صوغ توازن دقيق في العلاقة مع الدول العربية».

وتكشفت المصادر أن عون خلال زيارته لموسكو كان مهتماً بمعرفة ما إذا كان الاستثمار الروسي النفطي في لبنان تغطيه الحكومة الروسية، لما لذلك من ترجمة ايجابية على واقع الاستقرار في لبنان، وكان مهتماً ايضاً باستكشاف حقيقة العلاقة الاميركية ـ الروسية في المنطقة، لما لذلك ايضاً من تأثير على لبنان».

واشارت الى «ان الكنيسة الروسية حريصة جداً على أن لا تؤثر ازمة اللاجئين على التوازن الديموغرافي في لبنان، وهي تلعب دوراً كبيراً في التأثير على القرار الروسي لتسريع عودة النازحين، في اعتبار ان لبنان يجب ان يبقى في صورته الحالية وتوازناته».