هناك أمم لا تقبل أن يكون فشل الآخرين سببا في فشلها. لقد فشلت الولايات المتحدة في احتلالها لأفغانستان وكان عليها أن تتحمل فشلها وحدها.
 

ما نجحت الولايات المتحدة في تطبيعه في العراق أخفقت في أن تدير له ظهرها في أفغانستان.

وإذا ما صدقنا ذوي الرؤية المتشائمة في نظريتهم التي تقول إن الفشل الأميركي كان مقصودا لذاته في الحالتين، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى أن لا يكون فشلها في أفغانستان مدويا بعد أن استطاعت أن تغطي على فشلها في العراق بحروب أهلية وفتن طائفية وفساد غير مسبوق، وسواها من الظواهر التي هي من صنع أهل البلاد وحدهم كما تزعم.

إن اضطرار الولايات المتحدة لإجراء مفاوضات مع حركة “طالبان” وحده يكفي لتأكيد عجز الولايات المتحدة عن وضع الأفغان أمام الأمر الواقع الذي نتج عن فشل سياستها.

لقد أخفقت الولايات المتحدة عبر كل السنوات التي احتلت فيها أفغانستان في فرض فشلها على الأفغان باعتباره الحل الوحيد الذي يمكنهم من خلاله تصريف وإدارة شؤونهم بطريقة بلهاء ورثة كما هو الحال في العراق.

حين نعود إلى قراءة الماضي القريب نجد أن الولايات المتحدة التي أسقطت نظام “طالبان” عام 2001 كانت قد وعدت بإقامة نظام ديمقراطي بديل. كان ذلك النظام عبارة عن وصفة أميركية لم ترق للأفغان فقاوموها. لذلك استمرت الولايات المتحدة في حربها هناك.

لم تنجز القوات الأميركية مهمتها في أفغانستان مثلما فعلت في العراق. كان عليها أن تستمر في الحرب، أو تعلن عن هزيمتها. أمران صعبان. فتلك الحرب حسب التقديرات الأميركية لن تنتهي هناك. لذلك فإن كلفتها الباهظة ستكون من غير جدوى. أما إعلان الهزيمة فهو ما لا يمكن أن تتحمله الولايات المتحدة في عصر صعودها الخارق.

لقد صُدمت الولايات المتحدة برفض الأفغان القبول بتصريف فشلها واعتباره أساسا لإقامة دولة فاشلة كما هو حال الدولة في العراق. صحيح أن سلطة الاحتلال استطاعت أن تمكن حكومات منتخبة من السلطة في كابول، غير أن تلك الحكومات ظلت عاجزة عن إقامة دولة، تكون تحت سلطتها.

ظلت حكومة كابول عالقة بالهواء الاستعماري الذي يهبها الحياة.

كان من المؤكد أن تلك الحكومة ستسقط تلقائيا ما إن تعلن القوات الأميركية عن نيتها في مغادرة البلاد. وهو ما وضع الأميركيين أمام حقيقة إخفاقهم في تمرير كذبتهم. لم يكن لـ”فشلهم” أي تأثير يُذكر على الثوابت الأفغانية التي لم ينجحوا في اختراقها.

قبل سنوات كان من الصعب على الأميركيين قبول فكرة التفاوض مع جماعة إرهابية مثل طالبان، تم إقصاؤها إلى الجبال. غير أن التجربة القاسية علمتهم أن انسحابا منظما بعد مفاوضات أفضل من هزيمة هي أشبه بالفضيحة التي لا يمكن التنبؤ بتداعياتها.

لقد فرض الأفغان على المحتل الأميركي مبدأ عدم الحاجة إلى فشله “خذ فشلك معك أينما تشاء، فهو لا يصلح قاعدة لحياة سوية”.

حين نلتفت إلى العراق نرى أن العراقيين الذي احتلت بلادهم عام 2003 لا يزالون مستمرين في الاستثمار في الفشل الأميركي، مقتنعين أنه الحل الوحيد الذي يمكنهم من خلاله أن يصرفوا شؤونهم.

ذلك ما لم يفعله الأفغان، وهو ما جعلهم يتفوقون على الصورة التي رسمها المحتل الأميركي لهم. فبغض النظر عن رأينا السلبي بحركة طالبان، كونها جماعة متشددة دينيا ومتخلفة في سياق مفاهيم العصر، فإنها استطاعت أن تحافظ على الثوابت الأفغانية التي يمكن اعتبارها باللغة المعاصرة مشروعا وطنيا.

سيكون من الصعب في المستقبل التغاضي عن النظر إلى الدرس الأفغاني.

هناك أمم لا تقبل أن يكون فشل الآخرين سببا في فشلها. لقد فشلت الولايات المتحدة في احتلالها لأفغانستان وكان عليها أن تتحمل فشلها وحدها.