إنتهت الزوبعة التي أثارها البيان الناري الذي أذاعه وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو، ليرسو المشهد داخلياً وفي الاقليم، حسب أحد الديبلوماسيين السابقين، على حقيقة ان لا حرب أهلية جديدة ستنشب مجدداً في لبنان لأن لا أحد من اللبنانيين على اختلاف أحزابهم وطوائفهم وتياراتهم ومشاربهم يريد مثل هذه الحرب، ولا حرب ستنشب في الاقليم لأنّ إيران لا تريدها وكذلك خصومها، إذ لا أحد قادر على تحمّل كلفة أي حرب في هذه المرحلة.
 

والمحصّلة في نظر هذا الديبلوماسي ان لا حرب في لبنان او المنطقة خلال هذه السنة على الأقل، امّا في السنة اللاحقة فلا أحد يمكنه الجزم سلباً او ايجاباً. صحيح انّ الرئيس الاميركي دونالد ترامب ومعه وزير خارجيته بومبيو والكونغرس يؤيدون شَن حرب ضد «حزب الله» وإيران، إلّا انهم يريدونها أن تشن بأيدي حلفائهم، ولكنّ هؤلاء لا يبدون متحمّسين.

الموقف الذي نقله بومبيو الى لبنان ووجِه بموقف لبناني موحّد تمّ ّالتعبير عنه بأساليب مختلفة، حتى انّ خصوم «حزب الله» قالوا لبومبيو ما معناه: «تريدون منّا ان نشن حرباً ضد «حزب الله» أنتم لن تشاركوا فيها، ونحن في هذه الحال لا نريد إدخال البلاد في حرب أهلية»...

وفي رأي هذا انّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يستفد شيئاً إنتخابياً او سياسياً من زيارة بومبيو للبنان، خصوصاً بعد الموقف اللبناني الذي رفض ما نقله رئيس الديبلوماسية الاميركية، فالانتخابات الاسرائيلية تأخذ مدى داخلياً أكثر منه خارجي، وحتى قرار ترامب الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على الجولان السوري المحتل لن يستفيد نتنياهو منه انتخابياً، لأنه يمنحه أرضاً لا يمكلها وهي موثّقة لدى الامم المتحدة بأنها أرض محتلة.

ولذلك، سيمضي ترامب في سياسة تصعيد العقوبات ضد «الحزب» محاولاً تأليب الرأي العام اللبناني ضده، وكذلك تأليب البيئة الحاضنة للحزب ضده، وهو أمر قد فشل حتى الآن. وسيمضي ترامب ايضاً في تشديد العقوبات ضد ايران مراهناً على تأليب الشارع الايراني ضد القيادة والنظام، او على الاقل دفع إيران الى طاولة المفاوضات مجدداً ليبحث معها في تسوية حول صواريخها البالستية البعيدة المدى التي تقلق إسرائيل وكذلك تقلق بعض دول الخليج.

ولذلك، يرى المصدر نفسه، انه في ضوء كل ما يجري فإنّ معالجة القضايا الداخلية هي أهم من القضايا الخارجية بالنسبة الى لبنان.

وفي هذا السياق يعتقد كثيرون أنّ المرحلة الراهنة ستكون بالمواقف التي ستشهدها، مؤشّراً الى مدى جدية الأفرقاء السياسيين، أو بعضهم على الأقل، في توفير المعالجات الآنية والاستراتيجية المطلوبة لملفات أساسية لم يعد ممكناً تأجيلها لِما باتت ترتّبه من مخاطر تهدد بسقوط الهيكل على رؤوس الجميع.

ويتصدر هذه الملفات ثلاثة مُترابطة وبعضها يُكمّل البعض الآخر:

ـ الأول، البدء الفعلي بمكافحة الفساد، أقله بصون المال العام من الهدر والانفاق غير المجدي من الآن وصاعداً، وذلك عبر إقرار موازنة مالية إصلاحية يُبنى عليها راهناً ومستقبلاً، وضبط الحسابات المالية للدولة بطريقة شفافة وتعزير أجهزة الرقابة الادارية والقضائية وإقرار قوانين وتعديل أخرى، خصوصاً أنه تبيّن أن بعض هذه القوانين يعتبر اختلاس المال العام جنحة وليس جناية.

ـ الثاني، إنهاء أزمة الكهرباء التي تستنزف مالية الدولة منذ عشرات السنين من جرّاء ما راكمته ولا تزال من خسائر وهدر، وذلك عبر إنشاء معامل جديدة لتأمين طاقة كهربائية مستدامة ووقف الاعتماد على البواخر ـ المعامل ذات الأجر المرتفع الذي يمكن الدولة ان تبني به المعامل الكهربائية المطلوبة في كل المناطق اللبنانية، علماً أنّ الصدمة الكبرى التي أذهلت اللبنانيين ولا تزال تذهلهم تتمثّل بالرقم المتداول عن أنّ أكثر من 20 مليار دولار صُرفت لتأمين الكهرباء منذ مطلع التسعينات، ولكن البلد ما زال بلا كهرباء مستدامة.

وحتى الآن لا يزال الخلاف قائم على الخطة الموضوعة للكهرباء، وتحديداً بين من يريدون الاستمرار في الاعتماد على البواخر الى حين بناء المعامل الجديدة وبين من لا يرفض البواخر ويستعجل بناء تلك المعامل عبر التعامل مع شركات قادرة على الانجاز السريع.

وبين السياسيين من يُبدي تشاؤماً في هذا الصدد، بقوله سائلاً: «لو كان من تولى المسؤولية عن وزارة الطاقة منذ أكثر من 9 سنوات جاداً في إيجاد حل للكهرباء لكان أوجَده طوال تلك السنين، فماذا عدا ممّا بَدا حتى يتمكن من إيجاده الآن؟».

ـ الثالث، تمكين لبنان من استخراج ثروته النفطية والغازية وذلك عبر وجهين: الأول، استعادة المساحة البالغة 875 كلم2 التي قرصنتها اسرائيل في المنطقة الاقتصادية اللبنانية الخالصة في البحر المتوسط. والثاني، تعجيل الخطى للبدء بالتنقيب واستخراج النفط والغاز من البحر والبر والدخول فعلياً في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبيك)، إذ لا أمل لسداد الديون التي قاربت المئة مليار دولار إلّا من خلال هذا القطاع، لأنّ «بترول» الهاتف الخلوي الذي تعتمد عليه الدولة لم يعد يكفي وحده ومعه قطاعات أخرى لسداد خدمة الدين التي تكبر سنة بعد سنة، وكذلك لسد عجز الموازنة.

حتى الآن الحكومة لم تقلّع في المستوى المأمول منها، وهي تتعثّر في كل جلسة تعقدها. وفي ضوء الجلسات القليلة التي عقدتها بعد نيلها الثقة منذ أقل من 3 أشهر، لم تظهر أنها ملتزمة جدياً تنفيذ ما وعدت به في بيانها الوزاري.

وفي رأي بعض السياسيين المتابعين انّ هذه الحكومة تبدو حتى الآن غير منسجمة وغير ملتزمة حيث انها لا تجتمع فعلياً، وإذا اجتمعت اختلفت في ما بينها في الوقت الذي تنتظر البلاد منها كثيراً من الجهد والعمل لمعالجة المشكلات الكثيرة التي تعيشها.

علماً أنّ البعض في داخل هذه الحكومة ما زال يتصرّف وفق معادلة «شَيّلني لشَيّلك» أو «مرّقلي لمرّقلك»، ما يعني أنّ المحاصصة بين بعض القوى السياسية مستمرة في كل شيء، وهي تحاول العبور فوق الأفرقاء السياسيين الجادين في السعي لمكافحة الفساد ووقف السطو على المال العام.

لكن، وفي رأي هؤلاء السياسيين، انّ لعبة هذا الفريق أو ذاك للتملّص من استحقاق الإصلاح الذي بات يفرض نفسه تحت وطأة انهيار السقف على رؤوس الجميع، باتت مكشوفة، وما يزال هناك بعض القوى التي تعمل في الخفاء على إحباط، أو على الأقل إبطاء، الحملة على الفساد، الأمر الذي يثير مخاوف من تطور الأمور في اتجاه حصول خلافات داخل ابناء الصف الواحد، خصوصاً أنّ البعض بدأ يتحدث عن «فاسدين قدامى» و«فاسدين مخضرمين» و«فاسدين حديثي النعمة في الفساد والإفساد».