يتحدث بعض التقارير الديبلوماسية عن ربيع أو صيف ساخن في المنطقة تختلط فيه سخونة مناخ الطبيعة بسخونة المناخ السياسي، فهل هذا الجوّ يدخل في إطار التهويل وبالتالي استبعاد خيار الحرب؟ أم أنّ احتمالات الحرب واردة؟
 

تقول اوساط ديبلوماسية محايدة عن نزاع المحاور ان اي متابعة من كثب للمواقف الأميركية تُظهر الآتي:

ـ أولاً، تركيز غير مسبوق على الملف الإيراني بلهجته وتوصيفه وتصميمه ويكاد يكون يومياً وكأنّ هناك إرادة لتهيئة الرأي العام الأميركي والعالم لحرب محتملة، لأنه لا يمكن تفسير هذا التركيز سوى بكونه يمهد سياسياً الأرضية المواتية للحرب.

ـ ثانياً، تتقصّد الإدارة الأميركية اعتماد الأسلوب الاستفزازي، إن بمواقفها السياسية العالية النبرة، او بخطواتها العملية من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، إلى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان في مخالفة صريحة للقرارات الدولية، ولكن الهدف الأساس لخطوات من هذا النوع إحراج طهران أمام جمهورها الممانع وجرّها الى مواجهة بتوقيت أميركي.

فقرار على غرار الإعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان يفقد واشنطن حياديتها وصدقيتها، وهو يختلف عن دعمها لإسرائيل في حق الوجود وكدولة، ما يعني انها لا تأبه للحيادية وهمها الأساس محاصرة طهران وتطويقها وجرّها الى ملعبها، فضلاً عن أنه ممنوع تكرار تجربة الجنوب اللبناني في الجولان.

ـ ثالثاً، تراهن الإدارة الأميركية على قدرتها في تحقيق اختراق غير مسبوق أميركياً على مستوى الشرق الأوسط بتحقيق السلام العربي- الإسرائيلي، وهي تعتقد ان المزاج العربي أصبح أكثر قابلية نحو خطوة من هذا النوع على أثر التطورات التي جعلت الخطر الإيراني هو الخطر الحقيقي على الدول العربية وليس الخطر الإسرائيلي، وذلك بمعزل عما إذا كان هذا الكلام دقيقاً أم لا، ولكن هذا هو الواقع وتتحمّل طهران مسؤولية مباشرة عن إيصال الدول العربية والمزاج العربي الى حد اعتبار العدو الفعلي هو إيران وتقبُّل السلام مع إسرائيل، ولو سلّمت طهران إدارة ملف علاقاتها مع العالم العربي لثنائية حركة «أمل» و«حزب الله» لما وصلت الأمور معها الى هذا الحد، اذ هناك من يمارس سياسة الوصل في مقابل من يمارس سياسة الفصل.

ـ رابعاً، تعتقد الإدارة الأميركية ان كسر الحواجز العربية-الإسرائيلية غير ممكن قبل محاصرة إيران بنحو مطبق وتعطيل دورها الإقليمي أو كسرها عسكرياً او إلزامها بتغيير دورها الثوري الى دور الدولة العادية.

ـ خامساً، وضعت واشنطن طهران في موقع دفاعي وتراجعي في استمرار، فإن واصلت تراجعها يتقلص دورها تلقائياً، وإن واجهت تكون كمن يقدم للولايات المتحدة الاميركية الذريعة التي تبحث عنها لمواجهتها عسكرياً.

ـ سادساً، أعطت واشنطن تل أبيب الضوء الأخضر لاستهداف المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا وفي ظل اتفاق إسرائيلي - روسي ايضاً، فأصبحت المواقع الإيرانية عرضة لاستهداف متواصل ومن دون الإرادة في الرد تجنّباً لحرب تريدها إسرائيل وتسعى إليها، ومن ضمن أهداف هذا القصف الممنهج إحراج إيران امام بيئتها وإظهارها عاجزة عن الرد وإسقاط فكرة توازن الرعب التي يروّجها محور الممانعة.

ـ سابعاً، تقريب موعد الانتخابات الإسرائيلية من تشرين الثاني الى نيسان من دون أن يكون هناك ما يستدعي هذا التقريب، خصوصاً انّ الفترة قصيرة بين نيسان وتشرين، الأمر الذي يثير الشك والريبة من وجود مخطط ما يتم العمل عليه، خصوصا ان الذهاب الى الحرب غالباً ما يتطلب وجود حكومة منتخبة حديثاً ونجحت في انتزاع التفويض الشعبي الذي يمنحها القدرة على خوض الحروب، ومن دون ان يجازف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مثلاً بمستقبله السياسي في تشرين الثاني في حال لم تحقق حربُه الأهداف المطلوبة.

ـ ثامناً، غياب الممانعة الدولية التي تحول دون وقوع الحرب، فلا ممانعة روسية ولا أوروبية ولا عربية، خصوصاً ان الدافع خلفها هو الولايات المتحدة تحديداً.

وترى الأوساط الديبلوماسية انّ الولايات المتحدة تضع على الطاولة خيارَي العقوبات والحرب، فإذا رأت انّ طهران لن تتجاوب كثيراً في غضون الفترة المحددة أميركياً، يصبح خيار الحرب ممكناً ومتاحاً بالنسبة إليها، ولذلك يصعب استبعاد احتمال الحرب على رغم وجود إقتناع أميركي انّ خيار العقوبات قادر على تحقيق الأهداف المرجوّة منه تأسيساً على التجربة النووية التي وضعت إيران أمام خيارين أحلاهما مرّ:

فإما التسليم بالشروط الدولية، وإما الانهيار من الداخل، والمعادلة ما زالت نفسها، بل أكثر تشدداً من السابق، ومحاولة الهروب الى الإمام من خلال الحرب فهذا تحديداً ما تريده هذه المرة واشنطن وتل أبيب معاً في ظل التهيئة المسبقة لتوجّه من هذا النوع.

ولكن الثغرة الأساسية بالنسبة الى الإدارة الأميركية هي ان طهران نجحت في توظيف الاتفاق النووي لمصلحتها وتحقيقاً لأهدافها التوسعية في المنطقة خلافاً لما حاولت تسويقه الإدارة السابقة من أنّ احتواء إيران نووياً سيؤدي الى احتواء دورها إقليمياً، الأمر الذي حصل عكسه تماماً، فضلاً عن انّ الإدارة الحالية تبحث عن إنجاز كبير وغير مسبوق من طبيعة السلام العربي- الإسرائيلي الذي يدخل معه الرئيس دونالد ترامب التاريخ وتقف طهران عائقاً في وجهه، فيما الممرّ الى هذا السلام يكون من خلال تحجيم الدور الإيراني ولجمه.

وتعتقد الأوساط نفسها انّ طهران تدرك جيداً النيات الأميركية والإسرائيلية وتمتنع عن منحهما أيّ ذريعة لشنّ الحرب عليها او توسيع دائرة المواجهة معها، وتظنّ طهران ان في استطاعتها التكيُّف مع العقوبات في انتظار دخول الولايات المتحدة التحضيرات لانتخاباتها الرئاسية أو حصول تطوّر ما ينقل اهتمام الإدارة الأميركية في اتجاه آخر وملفات أخرى، وبالتالي سياسة شراء الوقت نفسها، فيما لا يمكن التقليل من قدرة إيران على التكيُّف، ولكنّ للتكيّف حدوداً، ويبدو انّ القرار الأميركي بلا حدود ولا سقوف.

وترى الأوساط الديبلوماسية ان في ظل كل هذه المؤشرات غير المطمئنة بتاتاً، فإنّ من مصلحة لبنان التشدد الصارم في تطبيق سياسة «النأي بالنفس» على رغم من انّ احتمالات الحرب على ارضه مستبعدة، الّا انه في ظل التوجّه الموجود لا يمكن استبعاد اي شيء أو إحتمال، خصوصاً انّ لبنان لا يتحمّل أيّ انتكاسة ربطاً بأوضاعه الاقتصادية الدقيقة، ولذلك على الحكومة ان تُحسن إدارة هذه المرحلة مع واشنطن ودولياً ومع «حزب الله» محلياً بأن يبقى تحت سقف الدولة اللبنانية وان لا يتفرّد بأيّ خطوة تقدّم ذريعة لإسرائيل.

وتختم الأوساط «انّ المنطقة امام ستة أشهر دقيقة وصعبة جداً ولا يجب إطلاقاً الاستخفاف بالتوجّه الأميركي الجديد او بما رُسم أميركياً للمنطقة.