من يساعدني إن كان ذاك القدِّيس يغشنا ويغش الفلاح والمزارع والأطفال والنساء، ثم يتلو قرآنك وإنجيلك وكتبك المقدَّسة.
 

(راما) هي تلك الطفلة البريئة، التي أوجعها فقر أبيها، بعد أن أزالوا كوخ عيشها، وهالوا عليها تراب الوطن.. اسمحوا لي أقص عليكم بعض كلماتها، من سراديب الوجع، " يا رب نريد أن نضحك ما بنا نبكي".. يا رب لقد أخذوا منا كل شيء، لم نحصل حتى على فيء، إنني حزينة على والدي الذي يصلي ويصوم لأجل الخير، وعلمني الصلاة ،لكي لا أصبح من الشحَّاذين، فرأيت أولاد القدِّيسين والمسؤولين والشيوخ ينعمون، ورجالك المنصَّبون متخمون، يا رب، لا أشك في وجودك، لكنني أطلب الرحمة، أين هي..؟ 

من يساعدني إن كان ذاك القدِّيس يغشنا ويغش الفلاح والمزارع والأطفال والنساء، ثم يتلو قرآنك وإنجيلك وكتبك المقدَّسة، فلا يعود يلتفت ولا يسمع، لأنه مخمورٌ في عشق خلقك الأنثوي.. حاولت أن أرسم يا ربي وجه الرحمة على جدار كوخ أبي، وعلى ضوء شمعته المتبقية من شتاءٍ قارصٍ، ومن ربيع ذابل وصيفٍ حزين، ما أحوجني إليك يا ربي عندما يشتدُّ بي الألم، ويرفسني الجوع والفقر إلى زوايا غير مرئية، لا أطلب منك أن تسامح السارق واللص والمرابي والمحتكر والقاتل، ولا ذاك الذي يرتدي عمة الدين وجبة الشرع، ويسرقني باسمك، لكنني أنا طفلة يا رب، كيف تساعدني برحمتك أن لا يدخل على كوخي وبيتي ويسرق أبي ويجتاز الغرف المقفلة، لأنه يحمل جواز سفرٍ عابرٍ لكل حدودك، لماذا ولدتُ في كومة بؤس، وفي مقبرة الأحزان، وتعبثُ بي وبوالدي وإخوتي روائح المارَّة وأحذية الأغنياء والرتباء والمفتيين والأمناء... أعيش يا رب بين الأموات والتراب، ولم أعرف أنَّ خلف سدول الليل أضواء مدينة، وبيوت من مرآة، ومسابح من أحجارٍك الكريمة، وكنتُ أظن يا رب أنَّ بقعة الأشباح هي كل أرض الوطن، وأنَّ الأموات هم الأحياء، فإنني مشتاقة للرحمة، لكي لا تزداد غربتي غربة، وفقري فقراً، وقبري قبراً، تعالي إليَّ، فأنتِ صلاتي وبقية ما في قلبي من دعاء، فأنا أنتظركِ على مقربةٍ من جنَّةِ منتجع الأغنياء وسماسرة الدين والفتوى والإفتاء والمفتيين، ولصوص السياسة، وباعة الأوطان، والميتة والدم، ولحم الفقراء، تعالي يا صلاة العاشقين والواصلين وخبز الطين، سأصلي وأطلب الرحمة، لكي يجثو الأطفال حول أسرتهم،ويصلون ويطلبون الرحمة لجميع خلقه، لترددها الملائكة طائرين بها إلى عرش الرحمن، والشمس تجري لمستقرٍّ لها، والنفس تصعد إلى عالمها، كذلك السماء منفتحة لخالص دعائنا نحن الأطفال.