نفّذت قوات عمانية وأميركية، الخميس، مناورة مشتركة جاءت بمثابة تجسيد عملي لتحوّل واضح تشهده العلاقات الأمنية والدفاعية بين الولايات المتحدة وسلطنة عمان ويثير أسئلة بشأن مدى تأثيره على العلاقة الاستثنائية بين السلطنة وإيران التي لا يمكن لها إلاّ أن تنظر بارتياب لأي تحرّك باتجاه دعم الوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
 
وجاءت المناورة التي نفّذها الجيش السلطاني العماني ممثلا بكتيبة جنوب عُمان في لواء المشاة الحادي عشر، مع كتيبة المشاة البحرية الأميركية المارينز الثانية والعشرين بميادين ربكوت جنوبي سلطنة عمان تحت مسمّى “جندي البحر”، أياما قليلة بعد توقيع عمان والولايات المتّحدة على اتفاقية إطارية بين وزارتي دفاع البلدين تعزز العلاقات العسكرية بينهما.
 
ونصّت الاتفاقية على سماح مسقط لقوات الولايات المتحدة بالاستفادة من التسهيلات المقدمة في بعض موانئ ومطارات السلطنة أثناء زيارة السفن والطائرات العسكرية الأميركية وخاصة في ميناء الدقم المطلّ على بحر العرب وتفصله نحو 500 كلم عن مضيق هرمز الاستراتيجي.
 
واعتبرت أوساط دبلوماسية خليجية أنّ الاتفاقية لا “تشكّل خبرا سارّا” لا لإيران التي تواجه عملية محاصرة لنفوذها في المنطقة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، ولا لقطر التي تقدّم تسهيلات كبيرة للقوات الأميركية عن طريق قاعدة العديد، وهي معنية باحتكار تقديم هذه الخدمة للحليف الأميركي الكبير حفاظا على العلاقة معه، مع تزايد الحاجة لتلك العلاقة في ظلّ عزلة الدوحة عن محيطها الذي يتهمها أهمُّ بلدانه بدعم التشدّد والإرهاب وتهديد الاستقرار الإقليمي.

وربط مراقبون توقيت الاتفاقية بتنامي قلق الولايات المتحدة من برامج إيران الصاروخية التي توسعت وتطورت في السنوات ‏القليلة الماضية رغم العقوبات والضغوط الدبلوماسية الأميركية.

واعتبر هؤلاء أنّ الاتفاقية جزء عن خطط أميركية جديدة للانخراط في تأمين سلامة الملاحة عبر مضيق هرمز الذي سبق لإيران أن هدّدت بإغلاقه في حال نفّذت إدارة الرئيس دونالد ترامب وعيدها بمنع طهران بالكامل من تصديرها نفطها إلى الأسواق العالمية.

وعلى الطرف المقابل يلفت محلّلون إلى أنّ عمل سلطنة عمان على تمتين علاقاتها الدفاعية والأمنية مع قوى كبرى لم يقتصر على الولايات المتحدة وحدها بل شمل أيضا المملكة المتحدة، مشيرين إلى توقيع لندن ومسقط في فبراير الماضي على اتفاقية دفاع مشترك نصّت على تعزيز التعاون العسكري بين البلدين، وأُعلن بشكل رسمي أنّ هدفها “تأطير التزام البلدين بالدفاع المشترك عن أمنهما واستقرارهما وازدهارهما ودعمهما لسيادة ووحدة أراضي كل منهما، وتطوير العمل العسكري الثنائي بما يحقق التوافق والانسجام بين القوات المسلحة للبلدين الصديقين”.

وتمّ التمهيد للاتفاقية بإجراء فعاليات التدريب العسكري البريطاني العماني الضخم الذي دار قبل أشهر على أراضي السلطنة تحت مسمى “السيف السريع 3” بمشاركة بريطانية وصلت إلى 5500 جندي وذلك بعد أن كانت سلسلة التمارين التي تحمل هذا الاسم قد توقّفت لمدّة سبعة عشر عاما.

وقال دبلوماسي خليجي سبق له العمل في سلطنة عمان إنّ جهود الأخيرة لبناء علاقات متينة مع أطراف متعدّدة ومتناقضة في أحيان كثيرة، تذهب من إيران إلى إسرائيل، فضلا عن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا، ومختلف البلدان العربية والخليجية بغض النظر عما بينها من تناقضات، هو امتداد لنهج سياسي حاولت السلطنة الالتزام به، ونجحت في ذلك خلال فترات سابقة، لكن نفس المصدر استدرك مشكّكا في إمكانية النجاح مستقبلا في “تحقيق تلك المعادلة الصعبة” في ظلّ اشتداد التناقض ووصوله إلى نقطة تصادم التوجّهات والمصالح بين أطراف تريد عمان الحفاظ على الصداقة معها كما هي الحال راهنا بين الولايات المتحدة وإيران.