عمل أجهزة التفتيش تضاعف في الأسابيع الأخيرة
 

تولي الدولة اللبنانية اهتماماً خاصاً بالشأن القضائي، انطلاقاً من عاملين أساسيين، الأول تنقية السلطة القضائية من الشوائب، وإحالة القضاة المخالفين إلى التفتيش والهيئات التأديبية، والآخر تفعيل دور القضاء في محاربة الفساد في الوزارات والإدارات الحكومية، وإطلاق يده في محاكمة المرتكبين، ووقف الهدر والاختلاسات، ومكافحة الجريمة والسهر على حقوق المواطنين.

وانطلاقاً من ذلك، يعكف وزير العدل ألبير سرحان على عقد اجتماعات أسبوعية مع المرجعيات القضائية، ولا سيما رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد، والنائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، ورئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي بركان سعد، والمدعون العامون وقضاة التحقيق الأول في المحافظات، لتفعيل دور المحاكم والدوائر القضائية، والتشديد على ملاحقة المخالفين والمرتكبين. واستكمل وزير العدل ذلك بجولة على عدد من المحاكم أمس، شملت قصور العدل في مدينتي جونية وجبيل (جبل لبنان) وطرابلس وزغرتا والبترون وأميون (شمال لبنان)، واطلع على حاجات المحاكم، والمشاكل التي تعاني منها قصور العدل، سواء في المباني أو التجهيزات أو حاجات القضاة.

ويكاد لا يمرّ يوم إلا وتكشَف عملية فساد في أحد قصور العدل أو المحاكم، ورغم ذلك شدد وزير العدل على أن «العدل في لبنان بخير، والقضاة يعملون بكل طاقاتهم، والمساعدون القضائيون يقومون بواجباتهم، لكننا سنعمل على سدّ الثغرات التي يحتاج إليها القضاء». وقال: «يتداول الإعلام في الآونة الأخيرة أخباراً كثيرة ومبالغاً فيها تتعلّق بالفساد القضائي»، مؤكداً أن «القضاء ليس فاسداً، لكن هناك بعض التجاوزات هي قيد التحقيق بدءاً من الأجهزة الأمنية، إلى المحكمة العسكرية والنيابة العامة التمييزية والتفتيش القضائي، كلّ بحسب اختصاصه». وأشار وزير العدل إلى أن «الأمور تسير بشكل صحيح، وأنا أراقب الصورة بشكل يومي ودقيق، ونأمل أن تظهر النتائج في القريب العاجل، وينال الفاسد عقابه، والبريء تُعلن براءته».

في هذا الوقت، كشف مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «عمل التفتيش القضائي تضاعف في الأسابيع الأخيرة، ويعكف على إجراء التحقيق في عدد من المخالفات المنسوبة إلى قضاة»، مشيرة إلى أن «هناك نحو ثمانية قضاة هم قيد المساءلة أمام التفتيش، ولم يتخذ حتى الآن قرار بشأنهم»، لكن المصدر كشف عن «كفّ يد عدد منهم عن النظر في الملفات المحالة إليهم، إلى حين انتهاء التحقيقات معهم».

وإذا كانت جولة الوزير على المحاكم، تعدّ مسألة تقليدية عند تسلّم كل وزير جديد مهام وزارة العدل، فإن هناك زيارات دورية يقوم بها القضاة المسؤولون عن عمل المحاكم، وأوضح الرئيس الأول لمحاكم الاستئناف في شمال لبنان القاضي رضا رعد لـ«الشرق الأوسط»، أنه «يواظب على القيام بجولات شهرية على محاكم الأقضية، ومعاينة حاجاتها من النواحي الإدارية واللوجيستية، وعدد القضاة والمساعدين القضائيين، ومراقبة وضع المباني وحاجتها إلى التأهيل».

ولا تزال دوائر قضاة التحقيق تتلقى مزيداً من الدعاوى القضائية، التي يخضع فيها مساعدون قضائيون وعناصر أمن وسماسرة مدنيون للتحقيق بعد الادعاء عليهم بجرائم التلاعب بملفات قضائية، وتغيير التوصيف الجرمي لها، ليستفيد منها المطلوبون للعدالة، واستجوب قاضي التحقيق في جبل لبنان القاضي نقولا منصور، موقوفاً في أحد ملفات الفساد، التي تولى فيها دور الوسيط وكان صلة الوصل بين أحد أبرز المطلوبين للعدالة بقضايا الاتجار بالمخدرات، وبين مساعدين قضائيين من أجل التخفيف من وطأة الجرم المسند إلى المتهم، وأصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقه.

وتغصّ المحكمة العسكرية بقضايا مشابهة، حيث تسلّم أمس قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوّان، ملفاً جديداً مع عدد من الموقوفين المدعى عليهم بقضية فساد، بينهم مدنيون وعسكريون، بجرائم دفع رشى مالية وقبض رشى ومخالفة التعليمات العسكرية، وباشر صوّان دراسة الملف تمهيداً لاستجواب المدعى عليهم وإصدار مذكرات التوقيف اللازمة بحقهم.

وكشف مصدر متابع للإجراءات القضائية بملفات الفساد لـ«الشرق الأوسط»، أن «عدد الملاحقين بهذه الملفات تجاوز 70 شخصاً». وأشار إلى أن «القضاة المعنيين بالتحقيق في هذه الدعوى يسرّعون خطوات المحاكمة لكشف حقائق الجرائم المنسوبة إلى المتهمين، بحيث يصار إلى إطلاق سراح من تثبت براءته، وإحالة المرتكبين إلى المحكمة لتصدر الأحكام العادلة بحقهم».