تكشف شخصية لبنانية تربطها صداقة تاريخية مع الاميركيين، أنّ واشنطن لم تكن مرتاحة لزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى موسكو.
 

المكان بحدّ عينه، بحسب هذه الشخصية، يشكّل حساسية شديدة بالنسبة إلى الاميركيين، لما تمثله روسيا كدولة «معادية» للولايات المتحدة الاميركية، ومتصادمة معها على امتداد خريطة الأزمات في العالم. 

الإنزعاج الاميركي، وكما تقول الشخصية اللبنانية، عبّر عنه أحد المسؤولين الاميركيين، الذين رافقوا وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو إلى بيروت، وسبق أن جرى التعبير عنه قبل زيارة عون، وتمّ إبلاغه على شكل تحفّظ، وبشكل مباشر إلى مسؤولين لبنانيين. وجرى كلام من هذا القبيل خلال عشاء ضيّق جمع مسؤولاً اميركياً بمسؤول لبناني في منزل الاخير ليل اليوم نفسه الذي وصل فيه الوزير الاميركي إلى بيروت.

هذا الانزعاج، يُضاف، الى ما تصفه الشخصية المذكورة، إلى جانب التقييم الاميركي السلبي جداً للموقف اللبناني الرسمي حيال احتضان «حزب الله»، واعتباره واحداً من المكونات اللبنانية وأحد ركائز المعادلة اللبنانية وتوازناتها. بما يناقض التصنيف الإرهابي للحزب، الذي حضر بومبيو لتثبيته في لبنان. 

تنقل تلك الشخصية عن مسؤول اميركي قوله، «إنّ واشنطن لم تكن راغبة ابداً في أن تسمع من الجانب اللبناني مواقف مستفزة لها وتناقض توجّهاتها، وثمة اشارات اميركية بهذا المعنى، جرى ارسالها الى مستويات سياسية لبنانية، قبل أن يبدأ بومبيو برنامج لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، ويُفرغ ترسانة التهديد والتحريض ضد «حزب الله»، الى حد شيطنته.

وبحسب تلك الشخصية، فإنّ الجانب الاميركي لم يكن متوقعاً لما يصفها المسؤول الاميركي، الحدّة في الموقف اللبناني حيال «حزب الله»، وموقعه في الحياة السياسية اللبنانية. وتنقل عنه تقييمه لنتائج زيارة بومبيو بقوله: « لعلّها المرة الاولى التي يسمع فيها مسؤول أميركي على هذا المستوى الرفيع كلاماً واضحاً بشأن «حزب الله»، وهو أمر يحمل على التساؤل، وقد طُرح التساؤل فعلاً على لسان العديد من المحللين الاميركيين، عن سبب هذه «الجرأة» اللبنانية من جهة، وعن التداعيات المحتملة لهذا الموقف، الذي لا يُزعج الأميركيين فقط، بل قد يثير غضبهم».

واما هذا الغضب، فإنّ ما لمسته تلك الشخصية من الاميركيين، يؤكّد ان حدّته زادت مع زيارة عون الى موسكو. فالتقييم الاميركي لهذه الزيارة «انها لن تقدّم للبنان شيئاً». الا انّ بعض ما جرى فيها يمكن اعتباره نقطة اميركية سلبية سُجلت على الرئيس اللبناني، وتجلّت في تعمّده التركيز على موضوع القدس، وكذلك على موضوع الجولان وقرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هذه الهضبة، وايضاً في تعمّد الرئيس اللبناني توجيه انتقاد مباشر للرئيس الأميركي، ومن الكرملين تحديداً، فلا شك أنّ هذا الامر يحمل الكثير من الدلالات.

بالتأكيد، انّ للموقف الاميركي - بما فيه من غضب او انزعاج - مبرراته الاميركية. الّا انّ بعض اللبنانيين تناغموا مع الموقف الأميركي الى حد انتقاد زيارة عون من حيث المبدأ وكذلك المواقف التي صدرت عنه، وقاربها بعض هؤلاء المنتقدين «بوصفها محاولة لوضع البيض اللبناني في السلة الروسية، ومردّ ذلك الى شعور حلفاء «حزب الله» في لبنان بتنامي الحضور والفعالية الروسية في المنطقة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً».

مصادر مواكبة لزيارة روسيا والمواقف الصادرة خلالها، تنتقد ما سمّته تعمّد البعض السكن في كوكب آخر. مشددة على انّ موقف رئيس الجمهورية لا يعكس تحوّلاً في الموقف اللبناني، ولا هو ممهد لانعطافة لبنانية في التموضع بين الولايات المتحدة وروسيا. إذ انّ لبنان لا يمتلك القدرة على هذا التموضع، حتى ولو اراد ذلك. وسبق لرئيس الجمهورية ان حدّد موقع لبنان خلال حديثه مع الاعلام الروسي، حيث قال، إن «للبنان وضعاً خاصاً ودقيقاً جداً، فهو مطوَّق، ويقع ضمن مثلث متساوي الأضلاع بين روسيا وأميركا والصين، فيما لا تزال السياسة العامة في الشرق الأوسط غير واضحة المعالم.. ووضع لبنان لا يسمح له بالاختيار، فهو لن يدخل في حروب مع أي من الفرقاء، بل يسعى للتفتيش عن صداقات الجميع».

وتلفت المصادر، الى «ان هناك من يتعمّد تكبير حجر الزيارة سلباً، ويعتمد نمطاً تشويشياً على الزيارة»، وتوضح، «صحيح انّ هناك اوجه تقارب لبنانية روسية متعددة، ومنها ملف النازحين السوريين، حيث يتمسّك لبنان بالمبادرة الروسية لاعادتهم، ليس لكونها المبادرة الدولية الوحيدة المطروحة حالياً فحسب، وإنما لكونها تشكّل مدخلاً حقيقياً لتجنيب لبنان مخاطر وجودية». وايضاً في ملف الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، التي تقدّم موسكو نفسها فيه من موقع الممتلك لمقوّمات عديدة للقيام بدور «الوسيط النزيه»، خلافاً للدور الاميركي المنحاز لاسرائيل. الا انّ واقع الحال، هو ان ليس بين سطور السياسة اللبنانية بشكل عام اي احتمالات حتى للتفكير بتموضع لبناني بين الروس والاميركيين.

فلبنان في الاساس، تضيف المصادر، يدرك حجم التداعيات الكبير لهذه المسألة. ليس فقط على المستوى الاميركي، بل قبل ذلك على المستوى الداخلي، إذ انّ هذا الامر خلافي في الداخل اللبناني، في ظل الانقسام السياسي التقليدي بين محور «حليف» لأميركا، ومحور آخر معادٍ لها. ويدرك قبل كل ذلك، حجم الولايات المتحدة وقوتها ومداها على امتداد العالم، ما يعني انها الممسكة بالكثير من «أوراق اللعبة» في المنطقة ومن ضمنها لبنان، تجعل اي اندفاعة في اتجاه المجهول ضرباً من الجنون.

ماذا بعد؟

في اعتقاد المصادر السياسية، انّ طبقة كثيفة من الضباب تلفّ مصير المنطقة. وثمة حديث متزايد في اروقة الدول الكبرى عن تحولات ستشهدها، وباتت وشيكة، وما يُخشى منه ان تلفح لبنان رياح سلبية. فتهديدات بومبيو لا ينبغي اعتبارها كلاماً عابراً، وقرار ترامب بشأن الجولان، لا يعني سوريا فقط، بل يعني لبنان بالدرجة الأولى، بالنظر إلى تداعياته المباشرة على قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة، والتي تقع الآن تحت احتمال اعلانها تحت السيادة الاسرائيلية. وهنا يكمن الخطر الكبير.