كل السياسات المالية لا تزال توضع في خانة عمليات التخدير للوقاية من إنفجار محتوم ما لم يتم إتخاذ إجراءات حلّ جذرية وعميقة
 

خلال مرحلة التكليف كان لسان حال المسؤولين بأن تشكيل الحكومة ضرورة قصوى لإطلاق ورشة عمل لا تهدأ لتنفيذ الاصلاحات وحل الأزمات لا سيما تلك المعيشية منها والإقتصادية والمالية، منعًا لإنهيار البلد.

اليوم تشكلت الحكومة بعد فترة انتظار طويلة لتدخل البلاد في عملية انتظار ورشة العمل وموعد انطلاقها، ووصلنا إلى الشهر الثالث من عمر الحكومة وحتى مهلة المئة اليوم أيضًا تشارف على الانتهاء، في حين لم يلمس اللبنانيون بعد أي تغيّر في حياتهم نحو الأفضل.

وأما الوضع الاقتصادي فبات من الواضح أننا على مشارف أزمة جديدة، في وقت أصبحت تقديمات مؤتمر سيدر في مهب الريح. فمن المسؤول؟

طبعًا لا يمكننا القول الحق على الطليان هذه المرة، فمنذ شهرين حتى اليوم كان يجب أن تتحول مراكز القرار والوزارات الى خلايا لا تهدأ على كل الجبهات والمستويات، الأمر الذي لم يحصل، في وقت نرى المسؤولين في هذه الدولة من زيارة خارجية الى أخرى وتحت عناوين مختلفة، ويتركون الملفات الى اللجان التي باتت تفقّس واحدة تلو أخرى وتعقد الاجتماع تلو الاجتماع في وقت لا نتائج ملموسة وعملية.

إقرأ أيضًا: هل ستكون مزارع شبعا هدية جديدة لإسرائيل؟

وها هو ملف الكهرباء بعدما تحوّل الى لجنة متخصصة عاد ليكهرب العلاقات بين القوى السياسية من جديد ويتصدّر المواقف، في ظل فريق يضغط للحل الجذري لهذه الأزمة بدءًا من تشكيل الهيئة الناظمة للقطاع وتعيين مجلس إدارة جديد وبين اتجاه يبدو أنه يتقن تمرير الحلول المؤقتة. 

اليوم، وبعد تسعة وعشرين عامًا على انتهاء الحرب، لا بد من الإنخراط بورشة العمل في سبيل معالجة الملفات لأنه لم يعد بالمقدور الإنتظار خصوصًا أننا نلاحظ تجدد الأزمات المعيشية التي تواجه المواطن اللبناني، من الكهرباء إلى التلوث وأزمات المياه. إضافة الى معطى جديد حيث يقف لبنان على شفير ازمة مالية مرتقبة بدأت بالإجراءات التي اتخذها وزير المال علي حسن خليل، وبالجولات واللقاءات التي يقوم بها حاكم مصرف لبنان لتلافي مشكلة مالية مقبلة. 

نحّيت السياسة جانباً أمام الأزمات المرتقبة والتي يحتاج اللبنانيون فيها إلى من يعينهم ويقف على خاطر همومهم. بينما أركان الدولة يتلهّون في الصراعات الأساسية والمعيشية من خلفيات شعبوية وسياسية. هذه الخلافات السياسية ستنتقل في الفترة المقبلة إلى الملفات التي تهم المواطن وتلامس لقمة عيشه ونمط معيشته، فقد دخل جزء من البلاد في عتمة شبه كاملة، بينما يستعد جزء آخر إلى الإقبال على الأزمة نفسها، مع إنقطاع الفيول في محطتي دير عمار والزهراني، وفيما كان ينتظر عقد جلسة للجنة الوزارية المكلفة مناقشة ملف الكهرباء، فقد تأجل الإجتماع كما تأجلت جلسة الحكومة إلى الأسبوع المقبل بسبب الوضع الصحي للرئيس سعد الحريري.

إقرأ أيضًا: زيارة بومبيو وإرتدادتها على لبنان

وبإنتظار عقد الجلسة الحكومية، لا يزال الخلاف قائماً حول ملف الكهرباء، وقد تجدد الصراع بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية حول هذا الملف، في ظل تصعيد رئيس حزب القوات سمير جعجع ضد إعادة العمل بالبواخر بينما المطلوب إنشاء معامل، هذا السجال القديم الجديد من شأنه أن يبقي البلاد في النفق المظلم، وإلى جانب الخلاف على خطّة الكهرباء، فإن الخلافات حول الملفات الاخرى ستتفاعل أكثر فأكثر.

وبينما يولي الساسة اهتماماً خاصاً للملف المالي، فإن البحث عن حلّ لتجنب الأزمة المالية، ترتكز على مسعى يقوم به حاكم المصرف المركزي لإيجاد صيغة اقتراض من المصارف لصالح الدولة اللبنانية بصفر فوائد، وذلك لتثبيت سعر الليرة خوفاً من تعرّضه لأي اهتزاز.

لكن كل هذه السياسات لا تزال توضع في خانة عمليات التخدير للوقاية من إنفجار محتوم ما لم يتم إتخاذ إجراءات حلّ جذرية وعميقة، لا ترتبط بالموازنة والمؤسسات والنظام العام فقط، بل ترتكز على مكافحة حقيقية للفساد والهدر، والإهتمام بشؤون الناس، وهذا لا يمكن له أن يتحقق بدون تحرّك فعلي وجدّي من قبل المواطنين للمطالبة بحقوقهم، وتشكيل عامل ضغط يفرض إنجاز هذا التغيير. في حين ان عداد الدين والعجز لا يرحم، ولكن يبدو للأسف أن لا إيقاع في البلد الا إيقاع هذا العداد، وهنا لا بد من السؤال عن الموازنة التي كان يجب أن تكون أولى الاولويات خصوصًا وأن بعض السلطة يصنفها من الإنجازات عادة وهي ليست إلا أبسط مقومات الحياة والاستمرارية للدولة.

فهل سيطول الانتظار كثيرا لتدق ساعة العمل .؟