الجدِّية في الموقف الأميركي والحاجة إلى دعم داخلي لمواجهة الإستهداف
 

إذا ما استثنيت عبارة وصف الولايات المتحدة الأميركية بـ«الشيطان الأكبر»، بعدما غابت في فترة طويلة عن خطابات السيّد حسن نصر الله، تجمع الأوساط السياسية المراقبة على أن الخطاب الأخير لأمين عام «حزب الله» الذي أراد فيه الرد على المواقف المتصلبة التي اطلقها وزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو، بعد سلسلة لقاءات عقدها في بيروت، شملت الرؤساء الثلاثة وعدداً من قيادات 14 آذار كرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ان الخطاب كان  هادئ النبرة، في مخاطبة الإدارة الأميركية، واكتفى أمين عام الحزب بتحليل مضمون ما ورد في كلمة الوزير بومبيو المكتوبة والتي ركزت بشكل خاص على «حزب الله»، وعلى حليفته إيران ودعا الشعب اللبناني إلى التحرّك وتحرير نفسه وبلده منهما.

وكانت هذه الأوساط تنتظر من السيّد حسن نصر الله ان يرفع السقف في معرض رده على النيران العنيفة التي فتحها وزير الخارجية الأميركية عليه وعلى الجمهورية الإسلامية كما اعتادوا في السابق في مخاطبته للادارة الأميركية وحلفائها في المنطقة خصوصاً وأن بومبيو لم يوفّر في كلمته المعدة سابقاً الحزب وإيران من السهام التي أطلقها من بيروت بعد جولة في المنطقة شملت إسرائيل وترافقت مع قرار الرئيس الأميركي ترامب ضم هضبة الجولان السورية إلى إسرائيل في خطوة غير مسبوقة، استوجبت ردود فعل دولية رافضة لهذا الإجراء الذي يتنافى مع كل المواثيق الدولية، ما حمل هذه الأوساط على التساؤل عن الأسباب التي حملت أمين عام حزب الله إلى هذا التحوّل النوعي في موقفه من الإدارة الأميركية والاكتفاء بشرح النقاط التي استهدفت الحزب وإيران في كلمة رئيس الدبلوماسية الأميركية والالتفاف على ما ورد فيها للتركيز على حرص حزب الله على تثبيت الأمن والاستقرار الداخلي والعمل بجد من أجل إصلاح الدولة وتنقيتها من الفساد من دون ان ينسى توجيه الشكر إلى رئيس الجمهورية ومجلس النواب على مواقفهم مما طرحه عليهم بومبيو خلال زيارته إلى العاصمة اللبنانية، بعدما كان حتى الأمس القريب يتحدث عن أطراف محلية بلهجة قاسية جداً ويتهمها بالتبعيّة للادارة الأميركية، واملاءاتها متأثرة بالعقوبات الأميركية وبالضربات العسكرية التي يتعرّض لها في سوريا وسواها. وتوقفت الأوساط عند دعوة الأمين العام الجميع إلى الحفاظ على الهدوء والتعاون لبناء دولة قوية وقادرة وعادلة وإلى تجاوز الخلافات وعدم السماح لا لشياطين كبار، ولا شياطين صغار ان تلعب في تفاصيلنا وتُحدث فتنة، من دون ان يغفل في خطابه التأكيد على التزام الحزب بالسلم الأهلي وبدعم مؤسسات الدولة والوحدة الوطنية والتعاون رغم الخلافات، ومن ثمَّ تشديده على السلام والأمن والازدهار ووجوب توظيف كل صداقاته لمصلحة لبنان وليس على حساب لبنان.

هذه الأوساط تعزو هذا الهدوء في النبرة التي استخدمها أمين عام «حزب الله» في معرض رده على الحرب الأميركية على الحزب إلى التطورات التي تشهدها المنطقة، والتي تفرض على الحزب التهدئة لبنانياً، فالحكومة حاجة له تماماً كما الاستقرار السياسي والحال انه فيما كل المؤشرات تؤكد تصميم الإدارة الأميركية وفق ما عبّر عنه الوزير بومبيو على الذهاب أبعد في حملة تطويق إيران واذرعتها في المنطقة وعلى رأسها «حزب الله» لخنقها عبر مزيد من العقوبات ستفرض عليها لاحقاً أو من خلال تصنيفها إرهابية من قبل مروحة أوسع من الدول كما هو الحال بالنسبة إلى المملكة المتحدة شكل وجود الحزب في قلب مجلس الوزراء وفي مجلس النواب حضناً حامياً له، ودرعاً واقياً، يؤمن له حصانته ويجعل موقعه أفضل، في مواجهة موجة الاستهداف التي تجلّت بوضوح خلال زيارة رئيس الدبلوماسية الأميركية إلى لبنان حيث سمع من كل القيادات التي التقاها ان الحزب لبناني وهو موجود في الحكومة، وفي البرلمان وهذا ما يريده الحزب في مرحلة تشهد أعنف هجوم أميركي على إيران وعليه.

وتنتهي الأوساط نفسها إلى التذكير بإصرار الحزب على تأليف حكومة يرأسها سعد الحريري لا سواه على ان تكون حكومة وحدة وطنية يُشارك فيها جنباً إلى جنب مع القوى الأخرى من ذوي الاتجاهات الغربية لأن جلوسه على الطاولة نفسها وفي البيت نفسه مع هذه القوى يعطيه ورقة قوة في مواجهة الإدارة الأميركية، وهذا ما ركز عليه السيّد حسن نصر الله في معرض تحليله لمضون الهجوم  الذي شنّه الوزير بومبيو على الحزب، وحث الشعب اللبناني على التخلص منه.