النزوح السوري يشكل عائقاً إضافياً وقلقاً على «التوازن الطائفي»
 

بعد عشرات السنوات من المطالبة بمساواتها مع الرجل، ستكون المرأة اللبنانية أمام مرحلة أكثر صعوبة في معركة الحصول على حقّها بمنح جنسيتها لأولادها.

ويواجه هذا المطلب، الذي كانت تعيقه الهواجس الطائفية والسياسية، عائقا إضافيا يتمثّل في النزوح السوري مع تسجيل زيجات إضافية بين لبنانيات وسوريين، وذلك بعدما كان الهاجس مقتصرا على اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما تخوّف منه وزير الداخلية السابق زياد بارود وبدأ يظهر من تبدل مواقف بعض الفرقاء من القبول إلى القبول المشروط أو المحدّد بضوابط، رغم أن الأرقام تشير إلى استفادة 300 ألف شخص من القانون كحد أقصى.

ويعبّر بارود الذي سبق أن قدّم مشروعا لمعالجة القضية عندما كان وزيرا للداخلية، عن تشاؤمه حيال إمكانية إقرار القانون، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «الموضوع سياسي أكثر منه قانوني ومن المرجّح أن يلاقي اليوم صعوبة أكثر في ظل واقع النزوح السوري المستجد بعدما كان يقتصر على اللجوء الفلسطيني، إضافة إلى عدم تسجيل الولادات الذي من شأنه أن يزيد أعداد من يعرفون بمكتومي القيد، وهي المشكلة اللبنانية القديمة في موازاة التخوف مما يعرف بـ(الزيجات البيضاء) أي تلك التي تتم بهدف الحصول على الجنسية».

ويؤكد بارود أن هذه المخاوف ليست واقعية، خاصة أن المشاريع المقترحة تمنح أولاد المرأة اللبنانية جنسيتها وليس الزوج، عبر التركيز على رابطة الدم من ناحية الأم كما الأب ووفق المادة 7 من الدستور التي تنص على مبدأ المساواة بين اللبنانيين من دون التمييز بين الرجل والمرأة.

ويبدو أن خشية بارود في مكانها، حيث بدأ يظهر بعض التحول في المواقف الداعمة إلى تأييد مشروط، وهو ما تعكسه آراء النواب المنتمين للأحزاب، على غرار «القوات اللبنانية» و«حركة أمل» و«حزب الله».

مع العلم، أنه في نهاية العام الماضي، وخلال ندوة تحت عنوان «جنسيتي حق»، دعا إليها النائب في «تيار العزم» علي درويش في قاعة البرلمان وحضرها ممثلون من مختلف الكتل، كان درويش واضحا في كلامه، حيث قال: «في لبنان القوى السياسية الشيعية والسنية والدرزية بالإضافة إلى حزبي (القوات اللبنانية) و(الكتائب) توافق على مطلب إعطاء المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها»، وعدد «أسباب الرفض لدى الآخرين؛ وأبرزها الخوف من زيادة الكثافة السكانية والخشية من توطين اللاجئين الفلسطينيين والتشجيع على ارتفاع معدل تزوج اللبنانيات من فلسطينيين، والتخوف من اللاجئين السوريين، وحدوث مزيد من الإخلال بتعداد التوازن الطائفي».

وظهر في العام الماضي تبدل في موقف «التيار الوطني الحر» الذي كان رافضا بشكل قاطع للمطلب عبر تقديم رئيسه الوزير جبران باسيل مشروع قانون رأت فيه الأمهات اللبنانيات تمييزا مضاعفا، لاستثنائه المتزوجات من دول الجوار، أي بشكل أساسي من الفلسطينيين والسوريين.

وبعدما تعهد البيان الوزاري العمل على «متابعة تعزيز حقوق المرأة ومكافحة التمييز ضدها، بكل أشكاله»، وبعد مشاريع قوانين عدّة كانت قد أعدت في هذه القضية سابقا، هناك اليوم اقتراحات جديدة لمنح هذا الحق للبنانيات، منها اقتراح «تيار المستقبل» والهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية و«اللقاء الديمقراطي»(الحزب التقدمي الاشتراكي)، فيما لا تزال مواقف معظم الفرقاء الآخرين غير واضحة رغم أن بعضها كان مؤيدا في السابق.

وفي محاولة «الشرق الأوسط» الاطلاع على آخر المواقف، تبيّن أنه حتى الآن، «تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» إضافة إلى «تيار العزم» الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وعدد من النواب المستقلين، فقط، يؤيدون بشكل حاسم المطلب، أما الأحزاب الأخرى، وأبرزها: «القوات اللبنانية» و«حزب الله» و«حركة أمل»، فمواقفها غير واضحة كما يؤكد رئيس حملة «جنسيتي كرامتي» مصطفى الشعار. في المقابل، يؤكد «حزب الكتائب» على لسان النائب إلياس حنكش، لـ«الشرق الأوسط» أنه يدعم المساواة بين المرأة والرجل في كامل الحقوق بما فيها منح أبنائها الجنسية، مع وضع شروط، أبرزها مدة الزواج والإقامة في لبنان وطبيعة العمل، ويشدّد على استثناء كل من يحمل صفة لاجئ بغض النظر عن جنسيته، وذلك منعا للتوطين الذي يخالف الدستور.

وبينما يلفت الشعار إلى أن «الحجة الجديدة اليوم هي النزوح السوري»، رغم غياب الإحصاءات الدقيقة، يؤكد أنه وفق المعطيات التي يملكها لا يزيد عدد أولاد النساء اللبنانيات اللواتي قد يشملهن القانون إذا أقر، على 300 ألف شخص، وهم في معظمهم من المسلمين، فيما يقدّر عدد المسيحيين بـ60 ألفا.

ولا تختلف كثيرا أرقام «الدولية للمعلومات»، حيث يوضح الباحث محمد شمس الدين، أن هناك نحو 40 ألف امرأة متزوجة من أجنبي، بحيث يصبح عدد الأشخاص الذين قد يستفيدون من الجنسية نحو 200 ألف شخص. ويلفت إلى أن نسبة السوريين وصلت في السنوات الأخيرة إلى نحو 30 في المائة والفلسطينيين 10 في المائة، إضافة إلى أوروبيين وأميركيين وجنسيات عربية أخرى. وبحسب التوزيع الطائفي، فهناك 87 في المائة من النساء من المسلمين و13 في المائة من المسيحيين.

ويدرس رئيس الحكومة سعد الحريري اقتراحي تيار المستقبل، والهيئة الوطنية، فيما يسعى نواب «اللقاء الديمقراطي» للإسراع بإحالة اقتراحهم حول منح المرأة اللبنانية هذا الحق إلى لجنة الإدارة والعدل، بحسب ما يؤكد أحد أعضائها النائب هادي أبو الحسن واصفا الخطوة بـ«المعركة الصعبة في ظل المحرمات التي يتمسك بها البعض».

لكن في المقابل، تؤكد مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» أنه «ليس هناك قرار نهائي له حتى الآن»، مشيرة إلى أنه يقارب هذه القضية من زاويتين، قانونية وشرعية.

وعلى خط حركة «أمل»، يقول النائب غازي زعيتر: «لم يبحث الموضوع حتى الآن، وسنأخذ الموقف المناسب بعد التباحث به ككتلة نيابية وكـ(حركة أمل)»، موضحا لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الحق إنساني بالدرجة الأولى إنما لا شك عند اتخاذ الموقف بشأنه فلا بد من الأخذ بعين الاعتبار ظروف البلد وهواجس الآخرين وأن تكون غالبية الفرقاء مؤيدة له إضافة إلى مبدأ المعاملة بالمثل بين الدول».

ولا يختلف رأي «حركة أمل» كثيرا عن رأي «القوات»، الذي يجمع نائباه فادي كرم وجورج عقيص على أهمية مساواة حقوق المرأة مع الرجل، مشيرين في الوقت عينه إلى أنه لا قرار نهائيا حياله من قبل «القوات».

ويقول كرم لـ«الشرق الأوسط»: «هو مطلب محق للمرأة التي يجب ألا تختلف في الحقوق عن الرجل لكن لا شك أننا نعرف المشكلة والحساسية المرتبطة بها وهي تلك المتعلقة بالديموغرافيا اللبنانية». بدوره يوضح عقيص «أننا مع كل ما يعطي المرأة حقّها بعيدا عن التمييز لكن حتى الآن ليس لدينا موقف نهائي وقد بدأنا العمل على دراسة الموضوع انطلاقا من إحصاءات وأرقام»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «في هذه القضية هناك حدّ حقوق المرأة من جهة، وحدّ أهمية ألا يؤثر هذا الأمر على التركيبة اللبنانية، وبين هذين الحدين سيكون لنا الموقف المناسب بما يتلاءم مع المصلحة العامة حاضرا ومستقبلا وبما يضمن حقوق الإنسان».

أمام هذا الانقسام، يدعو أبو الحسن في تصريح لـ«الشرق الأوسط» لمعالجة الموضوع من منطلق إنساني، اجتماعي، أخلاقي بعيدا عن الطائفية والسياسة، مضيفا: «لو أردنا النظر إلى القضية من هذا المنطلق فقد نكون نحن الدروز أكبر المتضررين، لكن هدفنا هو تحقيق العدالة والمساواة بين اللبنانيين في الحقوق المدنية».

والرأي نفسه تعبّر عنه النائبة في «تيار المستقبل» رلى الطبش، مشدّدة على أن كتلتها ورئيس الحكومة متمسكان بالموقف السابق الداعم لحق المرأة بمنح جنسيتها لأولادها من دون أي تمييز أو استثناء، وتلفت الطبش إلى أن الحريري يدرس الاقتراح المقدم من «الهيئة الوطنية لشؤون المرأة» الذي يتضمن ما يعرف بـ«البطاقة الخضراء» التي تعطى لأولاد المرأة اللبنانية لفترة مؤقتة إلى حين الانتهاء من بعض الإجراءات المطلوبة مع منحهم حقوقهم المدنية كافة.