«لا شيءَ تغيّر أو سيتغيّر، وزيرُ الخارجية الأميركية مايك بومبيو لم يقدّم للبنان شيئاً، كما لم يأخذ من لبنان سوى البيان الذي أحضره معه».
 

بهذا الكلام يقطع الرئيس نبيه بري السؤال المستفسر عمّا بعد زيارة بومبيو، وأيضاً عن سبب أو هدف إدراجه لبنان في برنامج جولته في المنطقة.

الخلاصة القاطعة التي يضعها بري لزيارة بومبيو «انها صارت من الماضي، أي انها صفحة وطُويت بكل ما تخلّلها، ولن يطول الوقت إلّا وينساها اللبنانيون، شأنها شأن الكثير من المحطات الاميركية السابقة، التي لا تخرج هذه الزيارة عن سياقها، سواء لناحية موقف واشنطن المتناغم من الموقف الاسرائيلي في ما خصّ الحدود البحرية او لناحية الموقف الهجومي ضد «حزب الله».

كل تلك المحطات، يقول بري، معطوفة على بيان بومبيو في الخارجية، اصطدمت بموقف لبناني رسمي واحد يعكس الحرص على إبقاء الأوكسيجين قائماً في لبنان، والذي يوفره التقاءُ المكوّنات السياسية والحزبية، ولو بالإكراه، تحت سقف معادلة داخلية وتوازنات لا تحتمل ايّ خلل.

وما خلا «الموقف الرسمي»، ليس خافياً انّ البلد منقسمٌ على نفسه، وهذه الصورة كانت ماثلة امام بومبيو، الذي لم تستطع ديبلوماسيتُه الخشنة أن تبدّل فيها شيئاً، فلا هو قدّم للبنانيين، أو لبعضهم، اكثر من بيان مصاغ بلغة حربية ضد «حزب الله»، ولا أخذ من اللبنانيين ما يطمئنه بأنّ لبيانه ترجمته على ارض الواقع اللبناني، وفق ما يشتهي.

على انّ مشكلة اللبنانيين، انهم محترفون في اثارة الصخب حيال زيارة أيّ مسؤول للبنان، بحيث يربطها فريق بسيناريوهات تصعيدية ستعقبها، ويعتبرها آخر مفصلية ومقدمة لمتغيّرات، ويسافر فريق ثالث عبر الزمن سنوات الى الوراء ويضع تمنياته في جعبة الزائر علّه يؤسس لخلق وقائع جديدة تعيد الماضي وتمحو متغيّرات السنوات الاخيرة، وتحدث انقلاباً في الصورة التي يتقدمها «حزب الله».

وفي خلاصة الامر، لا يصدق ايٌّ منهم، ويضيع كلّ ما علق على الزيارة هباء، بعدما يتبيّن انها «مشوار» لترداد مواقف مكررة، وحفلة علاقات عامة للزائر، وغداوات، وعشاوات، ورحلات سياحة واستجمام لا اكثر ولا اقل. وهو ما حصل بالفعل مع بومبيو، الذي كانت زيارته لبنان محطة عابرة، واما الاساس فكشفت عنه الصحافة الاسرائيلية التي استبقت وصوله بانتقادات قاسية له، وقالت صراحة إنه «آتٍ لمدّ الدعم لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو».

هذه الصورة لم تكن خافيةً على بري، فأمام «التجرُّؤ الفاقع على المقاومة كان لا بدّ من إسماع الوزير الاميركي ما يجب أن يسمعه، ممّا لا يعجبه، حيال «حزب الله» كحزب لبناني، سياسي، مقاوم، فاعل، وقوي».

وأمّا في ما خصّ الحدود البحرية، الذي تبيّن انّ بومبيو اختاره بنداً اولاً في محادثاته، فبدا جلياً خلال المحادثات بينه وبين بري حيال هذا الامر، انّ تناقضاً موجوداً ضمن الموقف الاميركي، وثمّة استفسارات واستيضاحات حول بعض النقاط الجوهرية في ما خص الحدود، تمّ تبادلُها بين بومبيو وبين أعضاء الوفد المرافق، وعكست آراء مختلفة ضمن الوفد.

يقول بري إنّ أوّل مَن حذّر من اسرائيل واطماعها هما ميشال شيحا وشارل مالك، حدودنا البحرية التي يتعدّون عليها ويحاولون اقتناصها، قصتها محلولة منذ أيام «نيو كامب»، وجرى تأكيدُها سنة 1949، وقد أبلغت بومبيو صراحة أنني شخصياً أتولّى مقاربة ومتابعة هذا الملف بكل تفاصيله وكل ما يحيط به منذ ما يزيد على الخمس سنوات، فعندما تقولون إنّ واشنطن راغبة في المساعدة مع جهود الامم المتحدة لمعالجة موضوع الحدود البحرية، فهو أمر ليس جديداً، ففي الماضي، جاء احد الضباط الاميركيين مع الامم المتحدة اسمه «الكولونيل ليمبتون»، شارك في اتفاق الهدنة، كما شارك بترسيم الحدود بما يؤكد حقَّ لبنان الذي تريد إسرائيل ان تنتزعه، وبالتالي المطلوب فقط أن يأخذ لبنان حقه».

من هنا يؤكد بري «انّ هذه المسألة ستبقى محلّ اولوية متقدّمة في الموقف السياسي، وفي المتابعات على كل المستويات، وما ينبغي الالتفات اليه هو أنّ موقف لبنان الذي ينبغي الإصرار عليه، ليس المطالبة بترسيم الحدود، بل بالمطالبة بتأكيد الترسيم الذي حصل».

ولكن هل يستطيع لبنان أن يحقق ما يريده، ويحصّل حقّه في حدوده وبالتالي حقّه في الثروة التي تخزّنها هذه الحدود من النفط والغاز، وهل يستطيع أن يصمد امام الضغط الخارجي وتحديداً الاميركي الذي يعبّر فقط عن اسرائيل؟

يجيب بري: «بداية ، لا همّ لي بالخارج ابداً، ولا يهمّني الخارج، الذي يهمّني هو بلدي، فماذا يفيدني لو ربحت الخارج كله وخسرت بلدي، اريد أن اربح بلدي، أنا مستعدّ لأن اخسر كل الخارج، ولا أن يخسر بلدي ولو جزءاً بسيطاً وصغيراً منه، أو تتضرّر مصلحته، أو تُمسّ سيادته، هنا بلدنا وهنا وجودنا وهنا مصيرنا.

من هنا، يضيف بري: من الخطأ أن نُسأل إن كنا سنصمد، ذلك أنّ هذا هو قدرنا، قدرنا أن نصمد ونستمر في التصدي لهذا الملف الذي يعني لبنان وكل اجياله. سنبقى على موقفنا ونسعى بكل ما أوتينا لتحصيل حقنا.

ولكنّ ثمّة ما يبعث على القلق من بعض الخطوات المريبة التي تسارعت في الآونة الاخيرة عشية الانتخابات الاسرائيلية، والتي تجلّت في حفلة التبرع الاميركي التي اقامها الرئيس الاميركي دونالد ترامب لإسرائيل، والتي قدّم موجبها الجولان هدية لها، بنزع صفة الاحتلال الاسرائيلي عن هذه الهضبة المحتلة، وإدراجها ضمن السيادة الاسرائيلية.

هذه الخطوة هي ما دفعت بري الى التأكيد بأنّ «قدرنا هو أن نصمد ونستمرّ في سعينا الى حقنا، فحفلة التبرعات التي يقوم بها ترامب، لم يسبقه اليها احد، كما لا سابقة لها، بحيث يتبرّع من اكياس غيره، ويقدّم لغيره ما لا يملكه، ومعنى ذلك انه يمكن أن تتوقع منه أيَّ شيء، فبالأمس كانت القدس وقدّمها ترامب لإسرائيل تحت عنوان نقل السفارة الاميركية اليها، واليوم الجولان، فمَن يضمن الّا يدفعه «كرَمه» على اسرائيل في أيّ لحظة الى أن يقول هذه مزارع شبعا وتلال كفر شوبا أرض اسرائيلية، وهذه الحدود الجنوبية بالمساحة البحرية التي تحاول اسرائيل السطو عليها، مياه اسرائيلية. في ايّ حال ما نؤكد عليه هو أن نكون في يقظة تامة وأن ننتبّه حتى لا يأتي يوم نؤكل فيه كما أكل الثور الابيض».

اما وقد انتهت زيارة بومبيو، فلدى رئيس المجلس نصيحة مستعجلة، بعدم الالتهاء بها، بل إنّ الأهم منها هو أن يعود اللبنانيون الى حياتهم الطبيعية، والانصراف الى المقاربات الجدّية لأولوياتهم وملفاتهم الحيوية والحياتية التي تستأهل المتابعة والاهتمام وتستوجب العلاج والإنعاش قبل ايّ أمر آخر».

قيل إنّ بري وبعد زيارة بومبيو اتصل بالامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله وأبلغه بـ«اننا امام مرحلة تصعيدية». لكن تبيّن من اجواء رئيس المجلس أن لا علم له بهذا الاتصال من قريب او بعيد، وأنه مفبرك من قبل احدى الغرف السوداء، وهدفه كما هو واضح اشاعة البلبلة.