وكأني تراني أنظر إلى يافطة ضخمة في أول المسيرة المرتقبة مكتوب عليها : .... يا اخي سرقونا ،، بس سكتوا .
 

يحكى علميا أن التلوث لا يُختصر على ما هو معروف ومشاع عن التلوث البيئي الذي يشمل الهواء والمياه والطبيعة من جبال وأودية وأشجار وما إلى هنالك، فتمدد في هذا المصطلح (التلوث) ليشمل مناحي أخرى من حياة الانسان كالتلوث الاخلاقي والتلوث الاداري والتلوث الفني والعلمي والاجتماعي والبصري والسمعي.

ونحن في لبنان (ما شاء الله) نعاني من كل أنواع التلوث على اختلاف مسمياته ومتفرعاته من دون أي استثناءات إلاّ أن في الآونة الأخيرة وتحديدا في ظل عهد الرئيس عون وبعد وصوله إلى بعبدا، وتسليم صهره دفة الحكم الفعلية، وبسبب ما يتمتع به هذا الصهر من ديناميكية وحركة ومقدرة كلامية قل نظيرها ازداد بشكل ملحوظ في البلد التلوث السمعي. 

وصرنا نحن اللبنانيين نعاني أكثر ما نعاني من التلوث السمعي، بحيث طغى هذا النوع من التلوث على ما سواه، حتى أنه ما عاد من أولوياتنا لا المياه المسرطنة، ولا الهواء النتن ولا الجبال والسهول المدمرة، واستطاع هذا العهد إدخال البلاد في زوبعة من الضجيج الكلامي الفارغ الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

إقرا أيضا : الرئيس عون وتكسير راس ترامب

ما قبل هذا العهد كانت تسير الامور بكل سلاسة وهدوء، حتى في زمن الحرب وكركعة السلاح والمدافع وأصوات القذائف والقنابل كنت تجد زاوية ما في هذا الوطن يسكنها الصمت، حتى بين المتاريس والمدافع والدمار والدماء كنت تستشعر نوع من أنواع الرواق  

قبلا، كانت المافيات الحاكمة تسرق مالنا بصمت، لا بل لعلني أستطيع أن أدعي أنها كانت تسرقنا بسكينة أقرب إلى الاحترام والرزانة، أما في هذا العهد، فالتغيير الوحيد الذي طرأ هو أن "الاصلاح" الحاصل لم يطل السرقة أو ما يدعونه "الفساد" بل طال فقط ذلك "الصمت"، فبينما نُسرق وننهب وتعقد الصفقات كما في الماضي، ولكن الفرق الوحيد الآن انها تحصل مترافقة مع الكثير الكثير من الضجيج والصراخ والجلبة والضوضاء، واعهره هو ذاك الذي يشنف آذاننا ليل نهار تحت مسمى "محاربة الفساد". 

وأحسبني سيأتي اليوم الذي يخرج فيه اللبنانيون على صهر الرئيس، وتعم التظاهرات شوارع لبنان ليس للمطالبة بوقف السرقات ولا من أجل الاصلاح بل فقط وفقط للمطالبة بالسكوت، وكأني تراني أنظر إلى يافطة ضخمة في أول المسيرة المرتقبة مكتوب عليها : .... "يا اخي سرقونا ،، بس سكتوا" .