كانت زيارة صاخبة جداً وحسّاسة جداً، سواء في تتابع محطاتها وما حملته من المؤشرات، او في البيان المكتوب سلفاً الواضح والصارم، الذي تعمّد وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو ان يقرأه على مسامع اللبنانيين.

دعونا من بعض التمنيات التي وردت في بيانه، من منطلق معرفته السابقة وضيقه طبعاً، بما سمعه في بعض محطات جولته، من “أن “حزب الله” حزب لبناني يتمتع بدعم شعبي كبير وله نواب منتخبون”، وتعالوا الى الخلاصة التي وضعها أمامنا، عندما رد على هذا الكلام بالقول: “إن حزب الله يقف عائقاً أمام آمال الشعب اللبناني، ومن خلال الترهيب المباشر للناخبين هو ممثل في البرلمان ويتظاهر بدعم الدولة”.

لكن الأمور في نظر الولايات المتحدة باتت للمرة الأولى تتجاوز الإنتقاد الى التحذير الصريح، وهنا تحديداً يجب ألا يكون خافياً على أحد من المسؤولين، معنى قوله بالحرف بعدما كان قد إستمع تباعاً الى الرئيسين نبيه بري وميشال عون، ثم الى الوزير جبران باسيل يتحدثون عن “حزب الله” ونسيجه اللبناني:

“ان شعب لبنان يواجه خيار إما ان يمضي قدماً، أو يسمح لإيران و”حزب الله” بأن يسيطرا، فيدفع لبنان عندها ثمناً باهظاً”!

لبنان يدفع ثمناً باهظاً؟

طبعاً هذا لا يعني ان الولايات المتحدة ستعاقب لبنان أو تهاجمه، لكنها تستطيع ان تتركه يعالج مشاكله ومتطلباته بنفسه، وفي هذا السياق لم يكن من عبث ان تتعمد الخارجية الأميركية التمهيد لزيارته للبنان، بالتذكير بان الكونغرس يتّجه الى إعطاء الإدارة الأميركية سلطة فرض عقوبات على أشخاص وأحزاب ومسؤولين كبار، وسبق ان أشير في هذا السياق الى عون وبري و”التيار الوطني الحر” والحزب القومي السوري!

ثم أولم يسمع بومبيو مناشدات المسؤولين في بيروت، ان تقوم واشنطن بمساعدة لبنان في معالجة مشكلة الحدود البحرية مع إسرائيل، وان تدفع في إتجاه حل مشكلة عودة اللاجئين السوريين، التي قدم لها باسيل مقاربة ناجحة عندما قارن وضع لبنان بوضع ولاية كنساس التي يمثلها بومبيو كما لو ان ٤٢ مليون كندي لجأوا اليها!

لكن بومبيو يقوم بجولة لا تهدف الى حلّ هذه المشاكل، بل أولاً الى مواجهة ايران ومحاولة تفكيك أذرعها العسكرية في المنطقة، معتبراً ان هذا يشكّل المدخل الوحيد للتطرق الى المشاكل الأخرى، وقد تعمّد في الخارجية القول “إن العقوبات تقيّد قدرة حزب الله على ما يفعله اليوم، لكن واشنطن لن تتوانى عن الإعلان عن الجهات التي تدعم نشاطات إيران وحزب الله”، وفي هذا إشارة ضمنية طبعاً الى الدول المانحة و”سيدر”!

نزوله في المطار الواقع في منطقة “حزب الله” رسالة ذات مغزى، وإنتقاله لمقابلة ريا الحسن وزيرة الداخلية له مغزى دعم القوى الأمنية اللبنانية، وتعمّده التذكير بالجنود الأميركيين الذين قتلوا في لبنان وبعملية إغتيال الرئيس رفيق الحريري له مغزى، عدم تصريحه من بعبدا له معنى، تناول الغداء عند الرئيس سعد الحريري ولقائه مع وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع، وعشاؤه عند ميشال معوض في جو ١٤ آذار لهم معنى.

هذه رسائل الى من يعنيهم الأمر، والخلاصة أنها زيارة ساخنة وضعت المسؤولين اللبنانيين امام خيارات ساخنة جداً … مفهوم؟